في عام 1976 كنت طالباً في المرحلة الثانوية وكوني لا أحب السكن مع الآخرين ولا أرغب بدفع الأجرة آخر الشهر , اشتريت تقسيطاً ما يسمى خانة صغيرة واشتريت بلوكاً بالتقسيط أيضاً , وفرحت بهما فرحاً شديداً وخاصة أنه لاضرورة لشراء الاسمنت فقد ارتفع سعره حتى وصل الى حيطان الثلاث ليرات سورية تقريباً , والمكان الذي اشتريت فيه مازال القمح حوله وبكمية قليلة من الماء وأخرى وافرة من التراب نخلطهما مع بعضهما البعض فنحصل على طين يغنينا عن الاسمنت ولا نحتاج إلا للوحين من التوتياء و ثلاث خشبات توضع تحتهما لنحصل على مسكن يريحنا من دفع الأجور وتحكم أصحاب البيوت بوقت دخولنا مساء , ومعرفة من يأتي إلينا زائراً نهاراً أو ليلاً مع متابعة نظراته للتأكد من براءتها أو يحصل ما لا يسر ويتم التهديد بالرحيل.
لكن الفرح الذي ملأ نفسي ونفوس أصدقائي لم يستمر طويلاً , فقد حضر موظفو البلدية بعدتهم وعتادهم معتبرين هذه الغرفة الصغيرة مخالفة جسيمة , فكسروا من البلوك ما كسروا واستولوا على الأدوات المستخدمة من مجرفة ورفش و… ووضعوها في سيارتهم وهددوا وأغلظوا الأيمان , إن عدت لاستكمال بناء الغرفة سيفعلون بي ما يفعلون .
وماكان لي إلا الانتقال من مكان لآخر باحثاً عن وجيه له معرفة بموظفي البلدية أو عن موظف من البلدية نفسها .
وبعد جهد استمر أياماً وجدت شخصاً وعدني خيراً وطمأنني بأنه سيعمل على إعادة أدوات البناء شريطة وضع باب قديم دلالة على قدم الغرفة وأن أدفع المعلوم وكان مع المراعاة ( 50) ليرة سورية مع هدية للوجيه نفسه واستمر الحال على ذلك المنوال مع التصاعد في المبالغ المطلوبة من الذين جرت تسميتهم مخالفين للأنظمة والقوانين وتوسعت دائرة المطالبين فمن يأتي بسيارة البلدية ( آنذاك ) ومن يمتطي دراجة نارية وأخرون على دراجات عادية إضافة الى ما يطلبه نجار (الباطون) بحجة أنه سيدفعها إلى مهندس البلدية وقد يدفعها فعلاً أو لا يدفعها حسب الأحوال .
وليس أمام صاحب البناء إلا الدفع أو مشاهدة تحطيم ما يبني .
عندما بدأت الحرب الكونية على بلدنا التي استمرت ما يزيد عن الثماني سنوات فخاف مراقبو البلدية ومن يدعون أنهم مراقبون ولم يقتربوا في تلك الفترة من الذين يبنون ونشطت حركة البناء في وقت يغادر المقتدرون مالياً الى أماكن أخرى حيث الأمان ولا شيء مطلوب غيره .
وعندما خرج المسلحون من هذه المدينة وهدأت القذائف بفضل تضحيات جيشنا العظيم عادت حليمة الى عادتها القديمة ونشط المراقبون والـ … الى متابعة كل من يبني جداراً أو غرفة أو … والمطالبة برشوة مضاعفة للتعويض عن الفترة السابقة وبتزامن مع زيادة الحديث عن الفساد وضرورة القضاء عليه مما جعل بعضهم يهمس قائلاً :
لماذا لايتم تنظيم الأحياء المخالفة أو إيجاد أرض مناسبة لأصحاب الدخل المحدود يمكن البناء عليها دون مخالفتهم فتنظيمها يغلق باباً واسعاً للفساد.
أحمد تكروني