انطلقت اليوم أعمال المؤتمر الدولي الثالث لمنظمات المجتمع المدني حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، الذي تنظمه منظمات المجتمع المدني ومجموعات من الضحايا والناجين من هجمات الأسلحة الكيميائية، برعاية وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، ومشاركة ممثلين من عدة دول، وذلك في فندق الشام بدمشق.
لا إفلات من العقاب
وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، قال في كلمة خلال افتتاح المؤتمر الذي يُعقد للمرة الأولى في سوريا: “لن نغفل عن الجرائم ولن نسمح بالإفلات من العقاب وسنعمل حتى لا تتكرر هذه الجريمة في سوريا أو في أي مكان بالعالم”.
وأضاف الصالح: “قبل عام واحد فقط، وفي المؤتمر الثاني في لاهاي، كنا نخوض معركة سياسية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، نرفع صوت الضحايا ونواجه الضغوط الهائلة، فيما كانت دول عديدة تسعى جاهدة لتعويم النظام البائد، لم نستسلم، ولم نسمح أن يُطوى ملف الانتهاكات أو أن تمر الهجمات الكيميائية بلا مساءلة”.
وأكد الصالح أنه مع انتصار الشعب السوري تم الانتقال إلى مرحلة جديدة لاستعادة سوريا وطناً واحداً نعمل على بنائه كل من موقعه، سواء في المسار الحكومي أو في منظمات المجتمع المدني، وقال: “نؤمن بوطننا ونلتزم بمسؤوليتنا تجاهه، دون أن نتخلى أو نتنازل عن ملف الأسلحة الكيميائية”.
تنسيق مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية
وبين الصالح أنه يجري العمل حالياً بتنسيق كامل وعلى قدم وساق مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والدول المعنية لإزالة مخاطر الأسلحة الكيميائية بأمان، وتم تشكيل لجنة مشتركة مع الحكومة السورية للإشراف على عمليات التخلص، وتوحيد الإجراءات الفنية والقانونية اللازمة لضمان الشفافية والمهنية في هذا الخصوص.
ولفت الصالح إلى أن العمل الميداني كشف عن مواقع ومناطق كان يخفي فيها نظام الأسد البائد أسلحة كيميائية لم تكن معروفة، وهو ما يثبت مدى إجرام هذا النظام ونواياه باستخدامها ضد الشعب السوري، مؤكداً أن كل المعلومات والتوثيقات بحوزة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بعد جهد متواصل من فرق التوثيق والفرق المختصة.
العدالة والمحاسبة
وأوضح الصالح أن الهدف لم يعد فقط التخلص من الأسلحة الكيميائية ومخاطرها، بل تعداه إلى ضرورة محاسبة من استخدموا هذه الأسلحة، حيث يجري العمل على بناء ملفات قانونية متكاملة لضمان عدم إفلات من ارتكبوا هذه الجرائم من العقاب، مبيناً أن ما نريده اليوم هو ألا يعيش أحد في العالم لحظات الاختناق التي عاشها السوريون، والطريق الوحيد لضمان عدم استخدام هذه الأسلحة هو المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
حوارات المؤتمر
شهد المؤتمر سلسلة من الحوارات والنقاشات تركزت حول كيفية البناء على الجهود السابقة لمنظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا والناجين بعد سقوط النظام البائد، وسبل تعزيز التنسيق في ملف الأسلحة الكيميائية والأدوار التكاملية للناجين والمجتمع المدني والحكومة، إضافة إلى مناقشة المساءلة الدولية وامتثال سوريا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ودمج هذه الجرائم الكيميائية ضمن المسار الوطني للعدالة الانتقالية.
وأكد المشاركون الدور الحيوي لجمع الأدلة والتوثيق، وضرورة دعم ذوي الضحايا وتحقيق المساءلة، وإبقاء ملف الأسلحة الكيميائية على الطاولة ونشر الشهادات الموثقة لضمان بقائها حية، وتجاوز حدود سوريا لتصل للرأي العالمي لأن القضية جريمة ضد الإنسانية.
الالتزام بحقوق الضحايا
بدوره أكد وزير العدل مظهر الويس في تصريح لـ سانا أن الوزارة تجدد التزامها بحقوق الضحايا، لافتاً الى أهمية بناء ملف متكامل لمعالجة آثار جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية، سواء من ناحية العدالة أو التعويض أو الرعاية الصحية.
وأشار الويس إلى أن مسار العدالة الانتقالية يسير على الطريق الصحيح، منذ لحظة إسقاط النظام البائد، حيث تم فتح المعتقلات وإعلان هيئة العدالة الانتقالية، والشروع في الإصلاح القضائي ومحاكمة المتورطين في الجرائم، معتبراً أن هذا المسار طويل ويتطلب جهوداً كبيرة، نظراً لحجم الانتهاكات والأضرار التي لحقت بالضحايا.
شهادات منظمات حقوقية
أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن الشبكة وثّقت تنفيذ النظام البائد لـ217 هجوماً بالأسلحة الكيميائية، شملت توثيق مواقع الهجمات وأسماء الضحايا والمصابين، لافتاً إلى أن عدد المصابين بلغ نحو 11 ألفاً، بينهم من يعاني من إعاقات دائمة، وآخرون لا يزالون متأثرين بتبعات تلك الهجمات حتى اليوم بينهم أطفال ولدوا بتشوهات خلقية.
وفي تصريح مماثل، أكد رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) روبرت بيتيت أن الآلية تعمل وفقاً للمعايير الجنائية الدولية لجمع الأدلة وإعداد ملفات القضايا، بهدف مساعدة السلطات القضائية حول العالم في محاكمة مرتكبي جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية.
وأوضح بيتيت أن الآلية الدولية التي تأسست عام 2016 بمشاركة 105 دولة عضو في الأمم المتحدة، قدمت الدعم والمساهمة في 17 ولاية قضائية، وتلقت أكثر من 500 طلب مساعدة، ما أدى إلى انجاز أكثر من 250 تحقيقاً وملاحقة قضائية منفصلة حول العالم أسفرت عن العديد من أحكام الإدانة لجرائم ارتكبت في سوريا.
وأشار بيتيت إلى أن الآلية تسعى منذ كانون الأول الماضي، وبالتنسيق مع السلطات السورية، للمساهمة في تحقيق العدالة داخل سوريا.
من جهته أشار مدير مركز التعامل مع المواد الخطرة في الدفاع المدني محمد البكري، إلى أن مشاركته في المؤتمر اليوم تهدف إلى تسليط الضوء على دور الدفاع المدني السوري والخوذ البيضاء في الاستجابة للهجمات الكيميائية التي شنها النظام البائد خلال سنوات الثورة السورية، مبيناً أن فرق الدفاع المدني كانت في الصفوف الأولى للاستجابة رغم محدودية الإمكانيات واعتمادها في البداية على أدوات بسيطة وبدائية وصولاً لتشكيل فرق مهنية مدرّبة مع مرور الوقت.
ومنذ بدء الثورة السورية عام 2011، شكّل استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام البائد واحدة من أكثر الجرائم فتكاً وإثارة للقلق على المستوى الدولي، حيث وثّقت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية مئات الهجمات التي خلّفت آلاف الضحايا بينهم أطفال ونساء، ما أثار موجة إدانات واسعة من المجتمع الدولي.