تعاني الموارد المائية حاليا من إجهادات كبيرة بسبب الضغوط المتزايدة الواقعة عليها لتلبية متطلبات أنشطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تفوق طاقة هذه الموارد المحدودة، ويزيد من ذلك انتشار الاستخدام غير الكفء للمياه من القطاعات المستهلكة المختلفة وتناقص إمدادات المصادر المائية الطبيعية بسبب تلوثها المتزايد وتدهور نوعيتها ونضوب المياه الجوفية في بعض الأماكن .
إن هذا الوضع على درجة عالية من الخطورة، حيث أن تداعياته لن تكون محصورة على مستقبل التنمية فحسب، بل كذلك على استدامة ما تم تحقيقه من إنجازات مشاريع اقتصادية واجتماعية حتى الآن.
ويعد ترشيد استخدام المياه واستعمالاتها في الأنشطة الزراعية ضرورة حتمية في الوقت الراهن من خلال استخدام الري الحديث وإحلاله مكان الري التقليدي من أجل توفير المياه والتقليل من تكاليف الإنتاج وزيادة المردود في وحدة المساحة وتحسين النوعية ولتشجيع التحول لهذا النوع من الري اتخذت الجهات المعنية بعض الإجراءات لتسهيل عملية التحول.
يعتبر اتخاذ خطوات استباقية أمر لابد منه لاستمرار العمل وضمان عدم التوقف لأسباب تخرج عن السيطرة خاصة فيما يتعلق بالثروات غير المتجددة ,والتي يشكل الماء أهمها فهو من العناصر الأساسية لأي عملية صناعية أو زراعية , ولا نذيع سراً عندما نقول بأن التجارب أثبتت أن 80% من الموارد المائية يستهلكها القطاع الزراعي ..
ومن هذا المنطلق جاء المشروع الوطني للتحول للري الحديث و الذي بدأ عام 2005 بالمرسوم التشريعي رقم 91 المتضمن إحداث صندوق لتمويل المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث انطلاقاً من أهمية المياه في سورية و الحاجة لها للأجيال القادمة..
ومر المشروع بمراحل متعددة حتى وصل إلى صورته النهائية بإحداث مديريات للمشروع على مستوى المحافظات.
(العروبة) رافقت فريق عمل المشروع في أيام حقلية وورشات عمل لنشر ثقافة الري الحديث و تعزيز التواصل مع الفلاحين .. و في دورات أقيمت لتمكين المهندسين المشرفين على المشاريع معرفياً و تزويدهم بمعلومات جديدة ترفع من مستوى الكفاءة في التعامل مع الشبكات بدءاً من التصميم حتى التركيب و الإشراف و الإصلاح وغيرها من المتطلبات..
شبكات موجودة و أخرى لا معلومات عنها
حيث أوضح المهندس فارس موصلي مدير المشروع بحمص أن العمل بدأ بشكل فعلي بعيد صدور المرسوم و تم تركيب العديد من الشبكات و قدم الدعم العيني لعدد من المزارعين وصل إلى 260 مكتتباً وعن الشبكات المنفذة من قبل المشروع ذكر موصلي أن قيمتها بالنوعين التنقيط ورذاذ 72 مليون ل.س قيمة الموجود منها حالياً بحدود 16 مليون ل.س مساحتها 1658 دونماً عددها 52 شبكة , العاملة منها حالياً أربعون شبكة والمستوى الفني جيد لاثنتي عشرة شبكة فقط وبحدوده الوسطى لـ 28 شبكة أخرى …
أما في قرى الرستن و المركز الشرقي و الغربي و تلدو و المخرم و القصير أشار موصلي إلى أن قيمة الشبكات غير الموجودة تزيد عن 25 مليوناً و مساحتها 2653 دونماً ويصل عددها إلى 80 شبكة فقدت بسبب تلف أو سرقة أو تخريب و هذا الرقم قابل للزيادة بعد إنهاء الإحصائيات بشكل كامل و بشكل خاص في قرى القصير..
و أضاف تتجاوز قيم الشبكات التي لا يوجد معلومات عنها في قرى الرستن و المركز الشرقي و تدمر و تلكلخ و المركز الغربي و تلدو والقصير بنوعيها التنقيط و الرذاذ الثلاثين مليون ل.س ومساحتها تصل إلى 2563 دونماً علماً أن عددها 84 شبكة ..
تسديد مستمر تقريباً
وأضاف : إن قيمة الشبكات بنوعيها قيمتها تصل إلى 72 مليوناً و 54 ألفا و959 ل.س مساحتها الكلية 6874 دونماً وعددها الكلي 216 شبكة العاملة منها 40 شبكة..
أوضح أن الظروف التي فرضتها الحرب حالت دون استمرار العمل والتوقف بشكل مؤقت و تسببت بالعديد من الخسائر و أنهكت ما تم إنجازه ..
وأشار موصلي إلى أن المبالغ الدائنة الكلية و النقدية للمكتتبين وصل عددهم إلى 216 مزارعاً حيث يصل مبلغ المنح إلى 72 مليون ل.س و تصل قيمة المسدد منها لغاية الشهر السادس من العام الحالي 30 مليوناً و687ألف ل.س
وأوضح أن دائرة التمويل في فرع المشروع تقوم بإجراء المطابقة المالية بشكل دوري مع فروع المصارف الزراعية في المناطق بمتابعة التحصيلات من الفلاحين .
عودة بعد انقطاع
ومنذ تاريخ 22 تموز المنصرم انطلق المشروع ضمن مسيرة طويلة عبر ندوات إرشادية و تأهيل فنيين من مديرية زراعة حمص لمرشدين مائيين هم على تواصل مباشر مع المزارعين في ريف حمص بهدف نشر ثقافة الري الحديث و توعية المزارعين و بالوقت ذاته لتأهيل المرشدين المائيين بندوات و دورات و ليكونوا صلة الوصل بينهم و بين المشروع ..
و كانت البداية بورشات عمل نظرية ثم انتقلنا إلى أرض المزارع في أيام حقلية متعددة ..
وأكد موصلي أن للمشروع أهمية كبرى في الحفاظ على الأمن المائي على مستوى القطر و الحفاظ على المياه الجوفية خاصة وأننا في أعوام سابقة عانينا من قلة بالمياه ووصلنا إلى مرحلة الخطر بالنسبة للمخزون المائي إلا أن الموسم المطري الماضي أنقذ الموقف بفضل غزارته..
و اليوم مع تعافي الواقع الزراعي عاد المشروع بخطوات ثابتة وداعمة و مدروسة بهدف التحول للري الحديث على نطاق أوسع..
الدعم مالي و قيّم
وعن طريقة الدعم المالي للمزارعين الراغبين بالتحول للري الحديث أشار موصلي إلى أن الشبكة يتم تركيبها وفق القدرة الإروائية التي يسمح بها المصدر المائي , وهنا ذكر بأن البئر المروي منه يجب أن يكون مرخصاً أو من الآبار الواردة في إحصاء مديرية الموارد المائية و زراعة حمص لعام 2001 , و أشار أن كل منبع مائي مثل نهر أو بحيرة أو نبع من الممكن أن يستفيد منه المزارع و تركيب شبكات ري للاستفادة منه وفق ما تسمح به طاقة المنبع..
وأكد أنه لاتوجد قيمة محددة للدعم والشبكة يتم تركيبها مهما كانت مساحة الأرض الزراعية وبما يتناسب مع الطاقة الإروائية للمنبع حيث تتم الدراسة عن طريق كوادر المشروع, ويتم استقدام الشبكات من شركات منتقاة ملتزمة بعقود مع الوزارة و تلتزم بالقياسات والمواصفات السورية المعتمدة وعندها يختار المزارع طريقة الدفع التي تناسبه بعد تحديد قيمة الشبكة فإذا اختار طريقة الدفع النقدي يتم تحويل 60% من المبلغ إلى حساب الشركة من قبل المشروع ليستكمل المزارع القيمة المتبقية و نسبتها 40% من القيمة الإجمالية للشبكة ..
أما في الأحوال التي يختار فيها المزارع التسديد بالتقسيط يلتزم المشروع بتسديد 50% من قيمة الشبكة للشركة في حين يستكمل المزارع دفع القيمة المتبقية و البالغة 50% من القيمة الإجمالية على مدى سبع سنوات بعد سنتي راحة يسددها على شكل دفعات سنوية للمصرف الزراعي الذي يتبع له العقار بعد تقديم الضمانات اللازمة ..
ذو جدوى اقتصادية عالية
المهندس أنور ابراهيم رئيس دائرة الدراسات و الاستشارات الفنية في المشروع الوطني للتحول للري الحديث بفرع حمص ذكر للعروبة أن منظومة الري بالتنقيط هي أحد الأنظمة الفعالة و ذات الجدوى الاقتصادية الجيدة نظراً لكفاءتها المائية العالية و عدم وجود أي هدر بالمياه حيث يتم تقديم المقنن المائي وفق الحاجة اللازمة فعلا بدون زيادة أو نقصان ..
مؤكداً أن الهدف من المشروع الحفاظ على المخزون المائي ولابد من تضافر الجهود لتشجيع المزارعين بالتوجه نحو هذا الأسلوب في الري للحد من هدر المياه خاصة و أننا نعاني من نقص بكميات المياه و لابد من تطوير تقنيات الري لأن التقليدي يتسبب بهدر كميات كبيرة تصل إلى 60%.
و أكد أن الشبكة تتطلب المراقبة المستمرة و صيانتها بشكل دوري و تعويض أي خلل فيها و إصلاحه بحيث تكون الشبكات مستديمة و ذات نفع مستمر على مر السنوات ..
و أضاف: إن الري بالرذاذ و بالتنقيط ذو كفاءة عالية و إنتاجية عالية حتى في المناطق الرطبة لأنها تزيد الإنتاج بالكم و النوع و بدأ العمل به بعد صدور المرسوم الجمهوري 2005 انطلق بعام 2006 و استمر لنهاية 2011 و توقف بسبب ظروف الحرب حتى العام الحالي و عادت الانطلاقة الفعلية في تموز المنصرم .
كوادر مؤهلة و الجودة مضمونة
المهندس يحيى ميلاد معاون مدير المشروع أوضح أنه تمت العودة لاستقبال الطلبات و المباشرة بعملية الإقراض واستقبال المزارعين الراغبين بالتحول للري الحديث حيث تقوم كوادرنا المؤهلة بدراسة الشبكة فنياً وعلمياً لتكون الشبكة بالكفاءة الفنية و العلمية و الاقتصادية على أن تتم متابعة المشروع خلال مدة استيفاء القرض لمتابعته لضمان الحفاظ على سير العمل بوتيرة جيدة .
و أكد أن الحاجة كبيرة في هذه الفترة للتوعية و التثقيف من خلال وسائل الإعلام و الروابط الفلاحية واتحاد الفلاحين …
وأكد أن أسلوب الري الحديث يوفر 65% من المياه المستعملة في ري المزروعات و تمتاز الشبكات بإمكانية التثبيت بسهولة و تساهم بشكل كبير في تقليل الأعشاب الضارة بالإضافة لتوفير كبير في العمالة بمختلف الأعمال الخدمية للأرض و أهمها التعشيب , كما تساهم في تحقيق توفير جيد بعمليات المكافحة لأن الرطوبة الجوية تقل و بالتالي تقل الأمراض و بخاصة الفطرية منها ..
و أضاف ميلاد : يقوم المشروع بتقديم قروض عينية للمزارعين بآلية إقراض تقسم إلى نوعين آلية إقراض لتمويل المشاريع تقسيطا و تشمل تقديم دعم 50% من كلفة الشبكة و 50% الثانية يدفعها الفلاح على شكل أقساط لمدة خمس سنوات بعد سنتي راحة, الآلية الثانية الدعم نقداً حيث يقوم الصندوق بدفع 60% من قيمة الشبكة و 40% على المزارع يسددها بأحد فروع المصرف الزراعي التي تتبع لها القرية.
ومن الناحية التقنية تم تأهيل مجموعة من المهندسين و الفنيين لإعداد دراسة فنية صحيحة تعتمد على أسس علمية لتقديم شبكات ري حديث على مستوى حقول المزارعين ذات كفاءة عالية بدءاً من خطوات التصميم الأولى ..وأكد أنه يتم التعاقد مع شركات متخصصة لتكون الأنابيب والمضخات والإكسسوارات وكل ملحقات الشبكة وفق المواصفات السورية المعتمدة
و يتم تنفيذ مشاريع على المصادر المائية المرخصة بمختلف أنواعها آبار بحيرات و ينابيع من أجل نقل الري من طرقه التقليدية إلى طرق الري الحديثة لأن الأولى فيها هدر كبير بالمياه بالإضافة إلى السلبيات الأخرى مثل انتشار الأعشاب و الحاجة الكبيرة للعمال و الجهد المبذول في الري السطحي عدا عن الضرر الأكبر وهو الهدر الكبير بكميات المياه..
تأهيل مشرفين مائيين
تم مؤخراً تنفيذ دورة تخصصية لتدريب المشرفين المائيين و ذكر موصلي أن عدد المتدربين 30 مشاركاً و كلهم مهندسون زراعيون من مديرية الزراعة مرشحين على مستوى الوحدات و الدوائر وأشار إلى أن الهدف من الدورة تأهيل المرشدين المائيين و تعريفهم بأساليب تخطيط و دراسة شبكات الري الحديث و بالتالي زيادة الخبرة و التواصل لنشر ثقافة الري الحديث والقدرة على تركيب الشبكات وصيانتها ومراقبتها ..
و أضاف موصلي : على مدى خمسة أيام تناولت الدورة عدة محاور منها تصنيع الشبكات وجدولة الري وفق الاحتياجات المائية و الدراسة الهيدروليكية للشبكة ومزايا الري بالتنقيط ..
وذكر أن فريق المشروع نفذ ورشات عمل في قرى شنشار و تلكلخ بالإضافة لبيان عملي بهدف إيصال أهمية المشروع وشرح آلية إقراض للمرشدين المائيين لتعزيز الثقافة بكل الوسائل الممكنة للتواصل مع الفلاحين و التعاون مع كافة الجهات و أهمها الروابط و الجمعيات الفلاحية كونها المفاصل المناسبة لتحقيق تواصل فعال..
وأكد أن المساحة التي يتم إرواؤها بالشبكات غير محددة تبدأ من خمسة دونمات و في بعض الحالات تصل المساحة إلى 600 دونم مؤكداً أن تحديدها يتم حسب قدرة المصدر المائي المرخص على الإرواء و أكد أن تسعيرة الشبكات مدروسة من قبل لجنة تتشكل من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك و الزراعة و الصناعة لتركيب الشبكات ,وتتناسب مع نوعيتها الجيدة و المطابقة للمواصفات المعتمدة ..
و أضاف : توجد حالياً دراسات تقوم بها البحوث الزراعية لمعرفة الاحتياج الفعلي للنبات بحسب العمر و الجو البيئي و بعد ظهور النتائج سيتم تنسيق التواصل مع البحوث الزراعية و المرشدين المائيين والفلاحين لتعريفهم بالكميات الفعلية التي يجب أن يتم ضخها بالشبكة و بذلك نصل إلى توفير بالمياه بحدوده القصوى ..
جمعيات مستخدمي المياه
وعن جمعيات مستخدمي المياه ذكر موصلي أنها تؤسس وفق نظام شبيه بالجمعيات الفلاحية ,ويقع ترخيص الجمعية على عاتق وزارة الموارد المائية ممثلة بفروعها في المحافظات , ثم يأتي دور المشروع الوطني بتقديم الدعم لهذه الجمعيات ,وبذلك يتم إرواء مساحة كبيرة نسبياً من الأراضي من مصدر مائي واحد و بشبكة ومجموعة ضخ واحدة( ري جماعي) .
مع المرشدين المائيين
العروبة التقت عدداً من المرشدين المائيين المشاركين بالدورة ومنهم فادي مندو مهندس بوحدة مسكنة و الذي أشار إلى أن الهدف من الري الحديث بشكل عام هو الحفاظ على الأمن المائي , ونقل تقنيات تطبيق الري الحديث للفلاحين ومع الوقت من الممكن أن يحدث توفير كبير للكميات التي يتم هدرها بالري السطحي , و بالإضافة إلى المحاور النظرية يوجد تطبيق عملي على صيانة الشبكات و تركيبها وتعليمات للصيانة و التركيب و التصميم..
مدرب متخصص في الدورة ذكر بأن العمل حالياً لنقل الفكرة للفلاح وتعريفه بمقدار التوفير الاقتصادي الكبير المحقق ,بدءاً من كميات المياه إلى الطاقة و الديزل و العمالة بالإضافة للتوفير بكميات الأسمدة و المبيدات التي يمكن إضافتها لمياه الري.
وأشار إلى أنه يمكن الاستفادة من الري الحديث بشكل خاص في ري الأراضي غير المستوية مثل المناطق الجبلية و المتعرجة فبالري المضغوط يتم إيصال المياه إلى كل النبات مهما كانت نوعية التربة,مع سهولة بالتطبيق و إدارة نظام الري .
و أكد أن المنتجات تكون نوعيتها أفضل كونها تأخذ الاحتياج المائي وفق تطور نمو المحصول عبر الوسيط (التربة) مشيراً إلى أن أي زيادة بالمياه عبر الري السطحي تتسبب بعملية خنق للتربة و لكن عندما تكون الكميات متناسبة مع الاحتياج الفعلي نحافظ على نوع جيد و نحصل على ثمرة جيدة.
أخيراً
يعد الحفاظ على البيئة مسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف و لا يمكن لأحدها أن يعمل بمعزل عن الآخر, وعلى أمل قيام كل منها بدوره يبقى الواقع البيئي في حمص رهيناً بتحقيق تنمية مستدامة حقيقية لمواردنا الطبيعية ..
هنادي سلامة – محمد بلول