الكتابة على ورقة صفراء مرمية تحت الشجرة ،أمرٌ خطر ببالي أكثر من مرّة ،لكثرة ما قرأت عن ذلك –مجازاً–في قصائد الشعراء .من الصعب الكتابة بقلم حبر ناشف ،ويمكنك أن تكتب ثلاث أو أربع كلمات بقلم الحبر السائل الذي تمتصه الورقة ..ولكن هي مجرد فكرة رومانسية ..!!
هو عشق الطبيعة يجعلك مندهشاً لهذه الأوراق الصفراء التي تهجر أمها الشجرة في هذا الفصل ..تتطاير حيث تأخذها الريح .أو ترى أوراق الشجر الأصفر مكدّساً في الدروب الضيقة في الغابة ،تدوس عليها وكأنك تدوس على سجاد من نوع خاص ..ثمة طقطقة تحت قدميك يحدثها تكسر الأوراق .نهاية حزينة هي نهاية أوراق الشجر تذكر بالهجر والرحيل والفراق «لكتب على وراق الشجر » سافر حبيبي وهجر ..!!»
هذه الأوراق ،كانت قبل أيام ،تزهو على الأغصان .واليوم هاهي في مهب الريح ،أو على الأرض تدوسها الأرجل !!
أية عبرة تقدمها لنا ورقة الشجرة …لاشيء خالد في هذه الدنيا …!!
أطرد الفكرة الحزينة من رأسي ..وأتابع السير متسللاً عبر دروب الغابة .أشجار البلوط لا تزال كما عرفناها في طفولتنا ..تكبر ..وتكبر ،يقول إن عمر بعضها يصل إلى عدة قرون وهذا مؤكد .فثمة أشجار بلوط حدثنا عنها آباؤنا عن أجدادنا ….!!
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد حدثني أحد الأخوة في مخيم العائدين بحمص أنّ هناك شجرة زيتون في مدينة الخليل في فلسطين عمرها ألف عام ..ويأتي السياح لزيارتها مثلها مثل معالم الخليل الأخرى …!.
الغابة تحوي أشجاراً متنوعة «البلوط والسنديان واللبنى .والغابات ،في بلدنا أكثرها مسجل كأملاك دولة وهذا معناه أنّها مفتوحة لكل الناس من أجل التنزه ..لكننا في السنوات الأخيرة فقدنا عدداً كبيراً من الأشجار بسبب التحطيب الجائر والحرائق …!!
ثمة شجرة مثمرة حراجية هي شجرة «الزعرور «.ولها قصة يتناقلها الناس .فثمار الزعرور صغيرها ،بحجم حبة العنب وطعمها قريب لطعم التفاح وحصل أنّ فلاحاً أخذ كمية «من الزعرور إلى المدينة لبيعها ..وراح أهل المدينة يشترون «تفاح الجبل «كما كان ينادي ..غير أنّ أحد أبناء الريف ..راح يصرخ ..»هذا ليس تفاح الجبل ..هذا زعرور …!!»وجاء المثل القائل «جاء من يعرفك يا زعرور …!!».
أما أشجار اللبن فلها رائحة جميلة جداً عندما تزهر .وثمارها لا تؤكل وثمرتها بحجم ثمرة الجوز ..طعمها مرٌ جداً كالحنظل …ولها استخدامات طبيّة ولعلّ منها أخذنا اسم «لبنى «الشائع كثيراً ..وهذه الشجرة ،كما يقول المعجم الوسيط توجد بكثرة في بلاد الشام ولا توجد في غيرها .
تصطفق الغصون ، ببعضها بسبب الريح فتحدث لحناً طبيعياً لموسيقا خالدة …!!.
يبدأ الظلام يرخي سدوله على الدنيا ،معلناً انقضاء نهار آخر …لابّد من العودة إلى البيت .
الخريف له طعم هنا ..الخريف جميل ..الحرارة معتدلة …
ورحم الله الشاعر سليمان العيسى القائل في قصيدته «الخريف »
ورقات تطفر في الدرب
والغيمة شقراء الهدب
والريح أناشيد ..والدرب تجاعيد
ياغيمة ..يا أم ّ المطرِ
الأرض اشتاقت ..فانهمري
عيسى إسماعيل