مع تطور التكنولوجيا السريع والذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة , بات من الضروري والواجب تربية الأولاد على استخدام الإنترنت وغيره من الوسائل التقنيّة بطريقة تتوافق مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وعدم إغفال دور الوسائل الإعلاميّة والمدرسة في تكثيف الجهود التوعويّة لتعزيز دور الأسرة في هذا الجانب.
فمن المعروف أنّ الشّباب هم الفئة الأكثر عُرضةً للوقوع ضحايا الجرائم الإلكترونيّة، التي نسمع عنها وعلى الآباء حماية أبنائهم من الوقوع في بعض المشاكل مثل تلك التي تقع جراء استخدام الانترنت بطريقة عشوائية منهم وتعرف باسم “الجرائم الإلكترونيَّة، وذلك من خلال اتخاذهم إجراءات تكفل وقاية الأبناء، و بتأمين أجهزة حاسب آليّ يستخدمها الأبناء لمنع المخترقين من جهة، مع عدم السّماح للشباب بالدّخول إلى مواقع مشبوهة، من خلال استخدام تقنيّات متوافرة في بعض المواقع من جهة أخرى, والقيام بإنشاء حساب مستخدم خاصّ لأولادهم وخاصة “المراهقين “ على أجهزة ألعاب الفيديو أو أجهزة الكمبيوتر، لضمان عدم وصول الأبناء إلى محتويات غير مناسبة لأعمارهم أثناء تصفّح الإنترنت.
لذلك، فإنّ تربية الأبناء وزرع القيم التربويّة فيهم في زمن العولمة والأجهزة الإلكترونيّة الكثيرة، أصبح يحتاج إلى الوقت والجهد، ولا سيّما أنّ التربية لم تعد من الوالدين فقط، بل اشترك فيها المجتمع والمدرسة والإعلام والأصدقاء، وبالتّالي هناك الكثير من المفاهيم تغيّرت وقيم غربيّة لم تكن متداولة أصبحت متوارثة في الأجيال الشبابيّة.
وفي مادتنا هذه حاولنا معرفة رأي بعض الإختصاصيين حول دور الأهل وقدرتهم على تعليم أبنائهم “حب التعلم واكتشاف كل ما هو جديد “ مع الحفاظ على القيم الأخلاقية في نفوسهم وسلوكهم …
الحصن المنيع
عبير الحسين “ علم اجتماع” قالت : إنّ تربية الأولاد في هذا الزمن أصبح من الأمور الصّعبة، وخصوصاً في ظلّ المغريات التي تجتاح المجتمع، ولذلك على الأمّ أن تغرس القيم والمبادئ التربويّة الحسنة في نفوس أبنائها منذ الصّغر، لأنّ هذه التّنشئة تشكّل لهم الحصن المنيع في وجه كل ما يتعرض له وخاصة بعد الانفتاح على العالم بعد تطور التكنولوجيا الكبير.
وأشارت إلى أنه من الضروريّ انتباه الأهل إلى كيفية الاهتمام بتربية أبنائهم، فإذا تغافلوا عن هذا الموضوع، فلا شكّ أنّ العواقب ستكون سيئة، فلا نستطيع معرفة من يحدّث أبناؤنا على هواتفهم، ولا مع من يتحدّثون على “الفيس بوك” أو “الواتس آب”، لذلك يجب على الأهل أن يكونوا مدركين لمخاطر الإهمال على أولادهم وتحذيرهم من الخطأ بطرق أقرب ما تكون لتفكيرهم وتحفيزهم ليكونوا فاعلين في مجال التكنولوجيا وليسوا منقادين لها .
المشاركة في الأفكار والآراء
رولا حمدان معلمة صف قالت : إن رعاية الأبناء منذ الصّغر يعطيهم الحصانة في المستقبل، فحتّى لو أخطأ أحدهم فإنه يعود بسرعة إلى الصّواب، مشيرة إلى أنّ هناك أموراً تجعل من عالم الأولاد عالماً يحتاج إلى انتباه ووعي الأهل ، وهو الفراغ الّذي تتركه الأسرة في حياة الأولاد، فالأمّ تفكر أنه لا يمكن فتح أيّ حوار جدّيّ مع أبنائها المراهقين , ولكن من الصّعب تركهم ينجرفون في متاهات الحياة، فتعليم الابن منذ الصّغر الخطأ والصّواب، يجنّبه عند الكبر الوقوع في الخطأ. فمثلاً، لا يمكن منع الأولاد دائما من مشاهدة ما يريدون من البرامج التلفزيونيّة، لكن بالإمكان مشاركتهم فيما يشاهدون، وتصحيح الخطأ لهم، وتوضيح الخلل، فيخفّف هذا لديهم من صدمة التلقّي، فالأمّ الحكيمة هي الّتي تستغلّ الجلسات لفتح حوار شفّاف مع أبنائها , وهذا الأمر ليس مقتصراً على الأمّ فقط، فالأب أيضاً مطالب بتقديم جرعات قويّة من الحبّ لأبنائه، والأب الذي يكون الصّديق والأخ والأب لأولاده هو أب متفهم ، لأنه أعطاهم قدرا كافيا من الحنان، وجعلهم أكثر صلابة واتّزاناً…
أرقى المهام التربوية
وأضافت: إن غرس القيم والمفاهيم في نفوس الأولاد هو أرقى المهام التّربويّة الّتي ينبغي أن تتضافر الجهود لتحقيقها، إذ إنَّها موجَّهة إلى سلوكهم، ومؤثّرة في بناء شخصيّاتهم.
ونوهت إلى أنَّ “غرس القيم الأخلاقية في نفوس الأبناء، يحتاج تعليماً وتدريباً على مجموعة من الأسس المعرفيَّة، وعلى قدر من المهارة من الآباء والمربّين، إذ إنَّ غرس هذه القيم يبدأ في سنّ مبكرة، فالشَّباب بحاجة إلى القدوة الصَّالحة، وهذه مسؤوليَّة الوالدين والمربّين عموماً، سواء في البيت أو الأسرة أو المدرسة أو أماكن العمل.
وأشارت إلى ضرورة تربية الابن وتعزيز شخصيَّته بكلِّ عناصر القوَّة الّتي تؤهِّله لمواجهة كلّ تحدّيات الحياة، وكي يكون محصَّناً من الانحراف الأخلاقي والفكري، وليكون بالتّالي الشخصيّة الفاعلة والواعية والمسؤولة الّتي تعطي كلّ ما لديها من طاقات وإبداعات في سبيل مستقبل مزدهر، وتحقيق الطموحات وفي مختلف الميادين , فدور التربية هو أن تؤسّس التوازن في شخصيّة الفرد بمختلف أبعادها الجسديّة والنفسيّة والروحيّة والذهنيّة والاجتماعيّة، وأن تنمّي معرفته بالنّشاط الّذي ينسجم مع مستواه الفكريّ، وأن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيّته بالمستوى الّذي يتحوّل فيه الشاب إلى شخص قادر على تجسيد حيّ لتلك القيم.
بقي أن نقول :
إنَّ هدف التَّربية هو زرع القيم وتجسيدها في الإنسان، ونقلها من المفاهيم المجرَّدة إلى التطبيق في الحياة ، بحيث يتجه الفرد الى الوصول لقيمة معنوية تحمل أفكارا نيرة تساهم في بناء جيل سيكون عماد المستقبل بقيمه وأفكاره وعلمه وعندما نتحدّث عن التربية الواعية، نتحدّث عن تربية قويّة متوازنة، لا تترك الإنسان في مهبّ الرّيح، بل تجعله يتحكّم بنفسه، بحيث لا تطغى عليه وراثته أو تؤثر فيه الظروف المحيطة بسهولة.
إنَّ التَّربية الواعية تنطلق من فهم جيّد لظروف الأبناء، ثم محاولة خلق المناخ الملائم الّذي يكتسبون من خلاله مختلف القيم الّتي نريد غرسها في شخصيتهم ..
منار الناعمة