وجد الفيلم التسجيلي الذي وثق لفصول عدة من حياة المخرج الراحل عمر أميرالاي طريقه إلى الجمهور السوري أخيراً، من خلال العرض الذي احتضنه بيت فارحي في دمشق القديمة مساء اليوم.
الفيلم الذي حمل عنوان “عمر أميرالاي.. الألم، الزمن، الصمت” للمخرجة هالة العبد الله، يمتد على مدى 110 دقائق، ويشكل شهادة فنية وإنسانية عن أحد أبرز رموز السينما الوثائقية السورية والعربية.
عفوية التصوير وصدق اللحظة

المواد المصوّرة التي بُني عليها الفيلم تعود إلى عام 2009 حين صورت المخرجة جلسات طويلة مع أميرالاي في منزله، كمادة أولية لعمل كان من المقرر إنجازه لاحقاً، إلا أن وفاة المخرج المفاجئة في شباط 2011 حالت دون استكمال المشروع.
ومن هنا جاءت العفوية في الحوار وحركة الكاميرا غير المنضبطة، إذ حملت هالة الكاميرا بنفسها في الجلسات التي بدت أقرب إلى بوح شخصي متبادل بين صديقين جمعتهما مسيرة طويلة من الفن والفكر والمواقف.
سيرة مخرج حمل هموم مجتمعه
يتتبع الفيلم مسيرة عمر أميرالاي (1944 – 2011) منذ دراسته السينما في فرنسا وعودته إلى دمشق مطلع السبعينيات، مروراً بمحطاته الفنية والفكرية التي عكست رؤيته النقدية للمجتمع والسياسة في سوريا والعالم العربي.

ويضيء العمل على بعض أبرز أفلامه مثل الحياة اليومية في قرية سورية والدجاج، إضافة لمواقفه التي جمعت بين تبنٍ يساري فكري وانتقادٍ لاذعٍ لفساد الأنظمة الشيوعية والاشتراكية وبيروقراطيتها وقمعها للحريات.
بين جيلين.. وحوار حول الذاكرة والبلد
العبد الله التي قدمت الفيلم بصوتها، اتكأت على علاقة الصداقة التي جمعتها بعمر منذ ستينيات القرن الماضي، حين التقيا في نادي السينما بحي الشعلان بدمشق، مستعيدة ملامح الحراك السياسي الذي قاده المثقفون، منذ نهاية الستينيات وصولاً إلى الثورة السورية عام 2011، التي حضرت في الفيلم بقوة عبر تقاطعات فكرية بين أميرالاي والثوار.
حضور الأم والطفولة في وعي المخرج

لم يغب الجانب الإنساني عن الفيلم، إذ تناولت العبد الله علاقة أميرالاي بوالدته التي ربته وأخيه بصرامة بعد ترمّلها في سن مبكرة، وهي العلاقة التي شكّلت ملامح شخصيته وطبعت نظرته للحياة والمرأة والمجتمع.
من المسودة إلى الوصية

في تصريح لمراسل سانا، قالت المخرجة هالة العبد الله: إن الفيلم بدأ كمادة أولية لمحاورة أميرالاي حول أفكاره، لكنها بعد مرور عشر سنوات على رحيله رأت في تلك المادة وصية يجب إيصالها للناس، وقالت: رغم أني لم أكن راضية عن شكل التصوير، لكنني أدركت أن روح الفيلم تكمن في تلك العفوية والحميمية التي لا يمكن إعادة صناعتها.
وأضافت: إن مونتاج الفيلم اكتمل عام 2021 بعد مراحل طويلة من العمل والتأمل، ليُعرض لاحقاً في عدد من المهرجانات والبلدان حول العالم قبل أن يصل أخيراً إلى دمشق.
لحظة شخصية وعامة

وختمت العبد الله حديثها بالقول: إن عرض الفيلم في دمشق بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العمل في السينما هو لحظة غالية واستثنائية، مضيفة: “كنت أتمنى أن يكون عمر إلى جانبي اليوم، كما أتمنى أن يكون معنا كل الذين فقدناهم منذ بداية الثورة، من الشهداء والمفقودين والمغيبين، هذا الفيلم محاولة لاستعادة أصواتهم وأحلامهم في ذاكرة واحدة.
بهذا العرض، يستعيد الجمهور السوري سيرة مخرج استثنائي حمل همّ الحقيقة والحرية في كل أفلامه، من خلال عدسة صديقته ومرافقته الفنية هالة العبد الله، التي صنعت من الألم والزمن والصمت مرآةً لبلدٍ وذاكرةٍ وجيلٍ كامل.






