تحية الصباح…ليست مشكلة.. «نو بروبلم» .. «مُشكِل نِيهِي»!

إنْ أدموا عينيها النّافذتين، إنْ طعنوا أدبها الجمّ، إنْ أساؤوا إلى تعابيرها الجميلة، إنْ قضموا من كلماتها بعض الأحرف، إنْ شوّهوا كيانها باستخدام حروف، أو ألفاظ غريبة شوهاء، إنْ ضيّقوا عليها الخناق، إنْ حاصروها بأسلحتهم الفتّاكة: «نو بروبلم»، «ليست مشكلة» و»مُشكِل نِيهي»! إنْ نقلوا لتلميذنا العربيّ خليطاً من لغته، مع كلمات أخرى غريبة، حينئذٍ سيعترضك أحد المتحذلقين، مادّاً «مِشْفريه»، بقلّة فهم، وعدم اكتراث قائلاً: «نو بروبلم، مُشكِل نِيهي، ليست مشكلة»! وإنْ قادتك الظروف يوماً، إلى قلب إحدى دول الخليج، إلى أزقتها وطرقاتها الفرعيّة، وإنْ دققت النظر بسيّارات الخدمة المنزليّة عندهم ـ على سبيل المثال ـ فإنّك سترى تشوّهاً واضحاً بكيان لغتنا العظيمة: «مطعام قرطبت»، «خدماة لمنازل»، «شركت لتحليت المياه»، «محلاة عبد الله»، «مقسلة الإنمأ»، وترجمتها إلى العربيّة، حسب ما أعانني الله عليه: «مطعم قرطبة»، «خدمات للمنازل»، «شركة لتحلية المياه»، «محلات عبد الله»، «مغسلة الإنماء»! حيال كلّ هذا، سينبري بوجهك أحد الثقلاء، بكلّ سماجة، وبرودة أعصاب قائلاً: «نو بروبلم» كما بالإنجليزيّة، و»مُشكِل نِي، أو نِيهي»، كما باللغة «الأورديّة الهنديّة»! كيف «مُشكِل نِي، ومُشكِل نِيهي، ونو بروبلم»، ونحن نرى، كيف أنّ لغتنا صارت حقل تجارب، أحدثوا بكيانها كثيراً من الرّضوض والكدمات؟ وإنْ تجرّأتَ وقلتَ لأحد المتفلسفين: إنّ أمتنا كلغتنا، كثرت فيها الخدوش والشّروخ، سيجيب للتوّ، من دون أيّ نظرة موضوعيّة لخفايا الأمور: «نو بروبلم، ومُشكِل نِي»! وإنْ قلتَ لآخر: لقد باتت المخدّرات على اختلاف صنوفها، تهدّد الأمة في شبابها، فمنهم مَنْ يموت بسببها، أو يُحجز خلف القضبان، أو يُصاب بلوثةٍ بِعقله وسلوكه، كلّ هذا يجعل المجتمع بحالة من الضياع والانهيار، لا نُحسَد عليها البتّة، حين تقول ذلك، يبتسم الآخر بوجهك ابتسامة صفراء، يلوك ريقه بقرفٍ ولا مبالاة قائلاً: «نو بروبلم، مُشكِل نِيهي، ليست مشكلة»!
هل صحيح، أنه «لا مشكلة، ونو بروبلم، ومُشكِل نيهي»، ونحن نسمع عن خطر المخدّرات وويلاتها؟ وعن ضياع بعض شباب الأمة، وانهيار مستقبلهم بسببها؟
وإنْ تألّمت من جريمة تقشعرّ لها الأبدان، وإنْ اندفعت أوْدَاج عنقك شبراً للأمام، أو تحمّست، فصرتَ وحدك مظاهرة غاضبة، فإنك ترى أحد الجهلة، وقد تمرّس باللامبالاة والغباء، يقول لك بلا خجل: «نو بروبلم، ليست مشكلة، مُشكِل نِيهي»! وحتى لو خرب العالم، ومات كلّ الأطفال، على جميل براءاتهم بفلسطين النّازفة، بعراقنا الحبيب، باليمن الشقيق، وفي لبناننا المقاوم، وبالوطن الأمّ سورية، بسبب كمّ المؤامرات ضدّها جميعاً، سيردّد: «نو بروبلم، مُشكِل نِي، ليست مشكلة»! وحين تسعفك الظروف، فتمتطي سيّارة أجرة، فإنك ستسمع – وأنت مُجبرٌ- خليطاً مزعجاً من لغات عدّة متباينة، فترى السائق يخلط لغته الأصليّة «الأورديّة» مثلاً، مع كلمات إنجليزيّة حفظها من هنا وهناك، أو حفظها ببلده أساساً، مع قليل من كلمات عربيّة مكسّرة، لكنْ، وعلى رأي بعض الجهلة: «نو بروبلم، مُشكِل نِيهي»! وفي متجرٍ ما، يخاطبك أحدهم بلغة مُكسَّرَة: «في تاني بضاعة صَدِيك! إنتَ ما في يرُوه صَدِيك! خمسة دقيقة وبعدين يشُوف! إنتَ نفرْ وَاجِدْ زِيْنْ! إنتَ وَاجِدْ زِيْنْ صَدِيْك! أنا أوَّل يعرف»! وترجمتها للغة «الضادّ»، حسب ما أسعفتني به الترجمة الفورية، والذاكرة الذكيّة: «هناك بضاعة أخرى يا صديقي، لا تذهبْ يا صديقي، خمس دقائق، وبعدئذٍ عليك أنْ ترى البضاعة، أنتَ صديقٌ طيّب.. أنتَ طيّبٌ جدّاً يا صديقي، فأنا عرَفْتُ شخصَك سابقاً»! ومع كلّ هذا «العجين ــ الهجين»، الذي لحق لغتنا الأم، وكسّر بعضاً من أضلاعها وأغصانها، ومحَا شيئاً من رونقها، سيقول متقوّل، أجوف العقل، أدْرَدُ الأسنان: «نو بروبلم، مُشكِل نِي»، ولست أدري إذا ما كنتُ قد نجحتُ بترجمة «النص الأدبيّ ــ الرّائع» السابق أم لا، على كلٍّ، سأردد مع المردّدين: «نو بروبلم، ومُشكِل نِي، ليست مشكلة»، أو ليقل أحدنا: إنّ إحداها حلاّلة المشاكل، وفهمُكم كافٍ!
فهل تبقى «نو بروبلم» الأجنبيّة هذه، وأخواتها، وبنات عمّاتها، العصا السحريّة، التي نرفعها بوجه أيّة مسألة تحتاج حقاً لِحلّ ناجع ناجح، أو لإعمال فكر، أو نبقى غوغائيّين، لا نجد الحلول والانفراجات إلا بلفظة «نو بروبلم» وأشباهها، ونسند رؤوسنا وقاماتنا بكلّ تراخٍ إلى لفظ «مُشكل نِيهِي»، فيجعلنا كلّ ذلك بحالة خدَر رومانسيّ، ننسى طيَّهُ ما نحن فيه من أوجاع وشجون وويلات، تهبّ على وطننا الصامد، كانت ظروف ظالمة قد فرضتها علينا، شئنا أم أبَيْنا!
الزّبدة:، نحن مُطالَبون، أن ننظر إلى كلّ مسألة، وكلّ قضيّة وطنيّة، بمنظار الموضوعيّة، وبروح المحاكمة، للوصول إلى الحقيقة، بعيداً عن هذه المخاتلة العَرْجاء: «نو بروبلم ، مُشكِل نِيهي»، إذ لا مطر، يُرتجَى من ورائهما البتّة!

وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانوناً يشدد الغرامات والعقوبات على كل أفعال التخريب أو سوء استخدام شبكة الاتصالات... مؤسسة وثيقة وطن تشارك في أسبوع التأريخ الشفوي العاشر بالصين "عين الخضراء" بريف حمص الشرقي بلا كهرباء منذ عدة أيام نتيجة عطل المحولة مهام متعددة  يقوم بها الدفاع المدني بحمص  رغم الإمكانيات متواضعة ..  تفعيل عمل نقاط الإنذار المبكر ... إعادة فتح الموانئ التجارية في اللاذقية وطرطوس واستمرار إغلاق موانئ البسيط والصيد والنزهة باللاذقية أمسية شعرية في مهرجان الميماس الأدبي....  العريضة بريف حمص الغربي الأغزر مطرا . في احتفالية أيام الثقافة السورية .. محاضرة في  ثقافي حمص بعنوان : "الوطن في  الأدب العربي قديمه وحدي... في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج...