غريبة كانت الحرائق هذه السنة وغريب جدا ً التعامل معها بعد أن يبلغ السيل الزبى ، وتأكل ألسنة اللهب الأخضر واليابس , فالحرائق الضخمة لاتحتمل التأمل والشاعرية في مسوغاتها والقول : هبة هواء ووجه عاشق ونرجيلة ومعسل تلميحا ً عن حريق بريء اشتعلت نيرانه على غفلة وطرفة عين من صفوة سيجارة أو فحمة نرجيلة أو أن المحطبين افتعلوا الحريق كونهم المستفيد الأكبر من هذه العملية التخريبية ..
فما ذكر يشعل حريقا ً صغيرا ً وتتم السيطرة عليه إذا توفرت البوادر والتنظيم والسرعة وأدوات الإطفاء ونخرج بأقل الخسائر أما إذا ترك الحريق لساعات فإن « الولولة » والتضامن المعنوي مع المحترقين قهرا ً لخسارة محاصيلهم لاتطفىء وجعهم ولاتسكن آلامهم برش الملح على الجرح والدعاء لهم بتعويضهم بالأحسن .. على مدار سنوات حصلت حرائق بالجملة وخاصة أثناء هذه الحرب الملعونة على بلدنا سورية والدعوة الشعبية ( الفزعة ) لإطفاء الحريق لم تكن كافية للسيطرة عليها بأدوات تقليدية وريثما يصل عناصر الإطفاء يكون الذي ضرب ضرب والذي هرب هرب .. لأن المصاعب والعقبات تكبر مع امتداد ألسنة اللهب وخاصة في المرتفعات التي تفتقد لطرق زراعية ولنا تجارب سابقة في حرائق أفنت محاصيل الزيتون والقمح وأعادت الأرض إلى ماتحت الصفر عداك عن تضرر الشبكة الكهربائية والهاتفية بملايين الليرات إضافة للأضرار الجسدية التي يتكبدها عمال الإطفاء ..
نحتاج إلى التعمق في أسباب تعثر السيطرة على الحرائق إضافة إلى أن تكرار هذه الحرائق يشير إلى وجود تقصير وهذا التقصير علينا ترميمه ، فالأماكن الحراجية بحاجة إلى مراقبة وعين ساهرة فمن يعمل على إشعال الحرائق وتغذيتها هاجسه التخريب والتحطيب وكذلك من يحارب الفلاح بلقمة عيشه لايحتاج إلى الكثير من الجهد والاجتهاد لمعرفة نواياه الخبيثة …
قضمت الحرب محاصيل كاملة أكلت الأخضر واليابس وآلاف الدونمات احترقت جراء حرائق مفتعلة ، ولايمكن أن نتوخى تعبيرا ً مناسبا ً عن معاناة فلاح احترقت محاصيله بعد تعب سنين في رمشة عين … يطفأ الحريق لكن ليس بمستطاع أحد كان إطفاء النار في قلب هذا الفلاح الذي سار إلى أرضه سير الجدول المطمئن إلى البحر، دون أن يدري أن البحر ربما جف فجأة ونضبت مياهه حتى الرمق الأخير .. آلام وأوجاع يعيشها فلاحونا وأبناء ريفنا جراء حرائق تحدث بين الفينة والأخرى تقبض على تعبهم يدخلهم فيها المعنيون ضمن فانتازيا التعويضات التي تزيد الظلمة والضيق في نفوسهم « تعويض» يثير الضحك الذي يشبه البكاء .. وعلى أمل الفرج في عيون المكدودين تعبا ً وعزما ً وعرقا ً وأن يكون لهم مرجع يقدر تعبهم ويعوضهم بالأحسن وعلى الأصول وليس « فوق الموتة عصة قبر »
العروبة- حلم شدود