“الثورة السورية.. صفحة وطن جديدة“

بقلم وزير الإعلام حمزة المصطفى

تحوّلت الصورة مع صعود اقتصاد المنصّات الرقمية إلى سلعة، وصار التفاعل والمشاهدة وحدات قياس لموقع الشخص في فضاء اجتماعي افتراضي، فانتزعت الخوارزميات و”السكرول” منا خيار الانتقاء، لتقدم لنا وفق قواعد السوق أنماطنا المفضلة والمشتهاة والسهلة، فترسخها بالوجوه الجميلة واللقطات السينمائية والعدسات المتطورة، ثم تتسارع اللقطات مع تسارع رتم الحياة وتضيق في المحتوى الخلاصات والتكثيفات مع حيز كبير للموسيقا والصورة، وهكذا يخبو النص، صاحب الكلمة والشأن، والبداية لكل ما سبق، وتوأد المعرفة المتأنية ويفنى الاختيار.

طالما كان النص جذر المعرفة، وأس الحضارة والعلوم، فالإنسان القديم رسم عالمه قبل أن يكتبه وجاءت الحروف الأولى للبشرية أقرب للرسومات لكنها لم تتطور إلا بعد أن نحت للرموز وتراصت في الكلمة، وحينها انتقل الإنسان من الكهف الذي رسم عليه إلى مسكن أكثر تطوراً، وبذلك يمكن القول إنه وكما يفعل الطفل؛ جاءت الصورة قبل الكلمة، لكن في تاريخ الفلسفة واللاهوت تعلن الكلمة أسبقيتها.

وهذه ليست جدلية “الدجاجة والبيضة”، وإنما منطلق قرار إطلاق صحيفة “الثورة السورية” بأنه لا غنى عن النص والصورة في آن.

ضرب النظام المخلوع جميع القطاعات لكنه أعدم الصحافة باكراً ونصّب عليها صحيفة “ثورته”، ثم دفن الإعلام في السنوات الماضية، وزيّف الحقيقة والوعي وشوّه الصورة والبلاد.

فجاءت الثورة السورية هدّامة للباطل وأعادت للصحافة والإعلام معناهما الأخلاقي والوطني.
اليوم، ونحن نطلق صحيفة “الثورة السورية” بحلّتها الجديدة، نفتح صفحة وطن جديد يخطّ عليها الصحفيون التقرير والتحليل والتفسير والتثقيف، لتكون الصحيفة مساحة للعقلانية والمعرفة لا مكانية دعائية أو تحشيدية، ومساحة للتعددية والحرية المسؤولة، وتغوص عميقاً في القضايا والمجتمع.

جاءت تسمية صحيفة “الثورة السورية” تخليداً للحدث الأكبر في تاريخ سوريا وإجلالاً لمئات آلاف الشهداء، وتمسكاً بمبادئها العالية في الكرامة والحرية والمواطنة، وبذلك هي ليست امتداداً لصحيفة “الثورة” بل جديدة تليق بوعي السوريين، ودعوة للتشبث بالصحافة المكتوبة الأقدر على تفكيك القضايا، وتقديم جرعة معرفية تلحق بما بعد الخبر.

صحيفة “الثورة السورية” صفحة جديدة لوطن يزدهر وبالعودة إلى حديث النص والصورة، وبما أنه لا غنى عنهما معاً، ولا داعي لكسر عادات التصفح، فإن صحيفة “الثورة السورية” منظومة واحدة تقوم على ثلاث منصات.

عدد مطبوع فيه نص مكتوب بعناية، وموقع إلكتروني عصري يحضر في نتائج البحث عن سوريا، ومنصات إعلام رقمي تراعي الجيل الجديد وسلوكيات المشاهدة، في عالمٍ تتزاحم فيه الشاشات على جدران بيوتنا وجيوبنا وأكفّ أطفالنا.

وإن إطلاق “الثورة السورية” باكورة أعمال “مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر والتوزيع” لإعادة تفعيل الإعلام المحلي في المحافظات من خلال شبكة الصحف المنتشرة في مختلف المناطق، لتكون صوت المحافظات، ومراعاة خصوصية وظروف وأولويات كل منطقة، ابتعاداً عن مركزية لا تقدر وحيدة على التغطية، بل قطاع إعلامي تشاركي ومتكامل.

صحيفة “الثورة السورية” هي عماد مسار الإعلام العام وفق نهج ورؤية وزارة الإعلام، ومنوط بها تقديم خدمة إعلامية للمجتمع، مقابل مسار الإعلام الرسمي المكلّف مهمة تقديم سردية الدولة.

ومن هذا الأفق تحمل الصحيفة شعارها: “فاصلة الحق.. رافعة العمران”؛ فاصلة تمنح التقاطة نفس فتضبط إيقاع النص ووضوحه، ورافعة للعمران وفق مفهوم ابن خلدون: عمران النفس والقيم والنشأة والنمو واستقامة النظام وحركة الحياة، لا عمران الحجارة فقط.
فالكلمة العادلة في مشروعنا الإعلامي، جزء من بناء الدولة والمجتمع، كما هي جزء من حفظ الذاكرة ومنع تكرار الخراب.

المزيد...
آخر الأخبار