تحية الصباح…المتشائل

يقولون : إن النحت اللغوي من أساليب اللغة لإثبات مرونتها وقدرتها على التجدد ، ومن هذا النحت اللغوي تشكيل كلمة من كلمتين ، ومن ذلك هذا النحت اللغوي الذي أعجبني منذ زمن ليس قصيراً وهو كلمة : المتشائل المنحوتة من كلمتين –المتفائل ، المتشائم –وأذكر أن أول تعرف لي على كلمة –المتشائل –في الاستخدام الأدبي ، كان في عنوان رواية للأديب الفلسطيني إميل حبيب الذي رحل منذ سنوات – الوقائع الغريبة في اختفاء أبي النحس المتشائل – ويومها قرأت الرواية ، وظل العنوان راسخاً في ذاكرتي وخصوصاً هذه الكلمة المنحوتة – المتشائل – وقد عدت إليها هذه الأيام لأنني أعيشها بحرارة عالية وفي كل لحظة ، فتارة أحس التفاؤل يدب دبيب الدم في عروقي ، وتارة أحس التشاؤم يتنفسني أو اتنفسه على الرغم من أنني ورثت التفاؤل عن أبي –طيب الله ثراه – ألم تثبت الخارطة الجينية للإنسان ان الوراثة تتداخل في أشياء لاحصر لها ؟! وتنقل مورثات من جيل إلى جيل تتدخل في تفصيلات جزئية دقيقة ؟!
كان أبي يصنع الفرح حيثما حل ويتصرف تصرف مالك للمال كبير ، وهو لايملك من المال إلا القليل القليل ..فورثت عنه ذلك ، وعشت متفائلا في أقسى الظروف وأشدها حلكة .
ولكنني اليوم أصبحت متشائلاً متشائلاً إلى حدود بعيدة ويشهد الله أنني لست متشائلاً في قضايانا الكبرى والمصيرية بل أنا جد متفائل على الرغم من كل ماجرى من تكفير وقتل وتدمير ، فمازلت متفائلاً بأن وطني سورية سيظل موحداً ، وأن دولتي ستنتصر وأن علمنا ذا النجمتين سيظل مرفرفاً في كل مكان من وطني من الجولان إلى رأس العين ومن طرطوس إلى البوكمال ، وأن المقاومة لابد منتصرة وأن العدوان الصهيوني سيندحر ، ولكنني متشائل في أمور داخلية حياتية يومية ، مثقلة بالفساد الإداري وبالروتين والبيروقراطية والإهمال والعبثية، تفاءلت عندما استلمت البطاقة الذكية ولو أنني توجست خوفاً من وصفها بالذكية – وأقصد البطاقة المتعلقة بالمازوت والغاز ومواد أخرى – وقلت : إن تجربتي مع بطاقة البنزين الذكية مقبولة بل ناجحة .
وهاهي البطاقة الذكية ستوفر لي جرة الغاز كل ثلاثة وعشرين يوماً ، ولكن مضى شهران ولما تأت فتشاءمت وأصبحت متشائلاً .
وقلت العام الماضي لم نحصل على مخصصاتنا من مادة المازوت المدعوم ، وهذا العام البطاقة الذكية بذكائها ستوفر لنا هذه المخصصات ولكن شيئاً من هذا لم يحصل فتشاءلت كثيراً، وقد بدأ الشتاء يقرع أبوابنا ونوافذنا وتظهر أمطاره عورات شوارعنا وساحاتنا التي بدورها تظهر عورات بلدياتنا ومجالسنا المحلية .
أسمع عن لجان لتمكين اللغة العربية ، وندوات تعقد لتمكينها ، فأتفاءل بمستقبل لغتنا التي اعشقها ، وفجأة تمتلئ الشوارع الرئيسية بلوحات بهية وسنية معلقة على كل عمود وبين العمود والعمود عشرة أمتار وبالخط العريض الملون البارز كتبت العبارة الآتية : -فيكي تنتصري على السرطان-
أليس في مثل هذه العبارات تكريس للغة الفيسبوكية المشوهة ؟! وأين هي المؤسسة العربية للإعلان من تمكين اللغة العربية ؟ وماذا يضير لو كتبت العبارة هكذا :
-تستطيعين الانتصار على السرطان -؟!!
إنني جد متشائل

د. غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار