رياض الأطفال الخاصة مؤسسات تربوية وتعليمية ربحية.. الأقساط غير مدروسة وتختلف حسب الخدمات المقدمة

تعتبر رياض الأطفال مرحلة مهمة لاكتشاف مواهب الصغار وميولهم وتحفيز طاقاتهم الإبداعية ومحطة أساسية لتقويم السلوك والتربية الصحيحة على الأخلاق والذوق , ويؤكد بعض المربين أن دخول الأطفال الرياض أصبحت ضرورة حتمية ويعولون على دور المربيات والإدارة والمشرفين والاستشاريين والتدريب ووعي المجتمع بأن الاستثمار في تربية الأبناء هو الاستثمار الحقيقي ولابد من مراقبة الحكومة للمؤسسات الأهلية حتى تغلب رسالة المربين على رغبة جني الأرباح من أجل بناء أجيال قادرة على تطويع المستقبل.

التقينا ببعض الأهالي واستطلعنا آراءهم حول أهمية إلحاق أبنائهم برياض الأطفال ما قبل المدرسة والأسعار المفروضة عليهم  , كما التقينا ببعض المعلمين في الرياض للتعرف على أهميتها في تنمية شخصية الطفل وتحضيره لدخول المدرسة بالشكل الأمثل.
وحول الخدمات والمناهج والأنشطة التي تقدمها رياض الأطفال الخاصة، أكد بعض الأهالي أن الأنشطة موجودة فقط بالبرنامج، أما حصصها فهي تستغل لمصلحة المواد الإثرائية «غنى المعلومات» وأن هناك قاعات للرياضة والرسم، ولكنها لا تستخدم لتنمية المواهب، بل هي حصص لراحة المعلمة، حيث يترك الأطفال للعب في قاعة الحاسوب أو لمشاهدة التلفاز، فليست العبرة في وجود أو عدم وجود المستلزمات والتجهيزات بل بحجم الاستفادة التي يحصل عليها الطفل…
وإذا اعتبرنا أن الرياض الخاصة بحسب تسعيرتها المرتفعة، نموذجية، علينا أن نسأل عن المسرح الأسبوعي وعن المسابقات «الرسم، الرياضة» وعن تثقيف الأطفال والمناسبات التي يحتفل بها، ولماذا تقتصر على عيد المعلم وعيد الأم وأعياد الميلاد الخاصة بالأطفال؟.
والأهم من ذلك هل هذه الرياض تقدم لكادرها التدريسي دورات داعمة وأنشطة ومحاضرات، وهل لديها برنامج خاص للرحلات العلمية المعرفية ليكتسب الطفل خبراته من الواقع؟.
التنافس واضح
رياض «موظف» قال : تسعى رياض الأطفال في سباقها التنافسي إلى توفير شروط البناء الصحي من ناحية المساحة، التهوية، الإعداد.. إضافة لوجود عوامل الجذب والتي تؤثر على الطفل من رسومات وألوان وألعاب.. وهذا ما يغري الأهل بتسجيل أبنائهم في واحدة منها، ظناً منهم أن القطاع الحكومي لا يوفر ما توفره رياض الأطفال الخاصة من مناهج مكثفة والتي تسمى «الكتب الإثرائية» ويبدو أن مقياس ذكاء الطفل لدى الأهل هو كثرة حشوه بالمعلومات أو الأحرف الانكليزية التي يرددها ولو كان عمره لا يتجاوز ثلاث سنوات فقط..
معاملة خاصة
المعلمة ربا قالت : استفادة الأطفال من منهاج رياض الأطفال والتمهيدي توفر أرضية مناسبة لتحقيق تميزهم في المدرسة وتشكل أساسا لتنمية وتطوير المواهب والقدرات الإبداعية.. وتمنح أولياء الأمور شعوراً بالرضى عندما يستطيع الطفل في نهاية برنامج التمهيدي كتابة وقراءة كلمات وجمل وليس فقط التمييز بين الحروف والأرقام «عربي وإنكليزي»..
– المعلمة رولا قالت : ليست كل معلمة قادرة على التأثير بشكل جيد في أطفال الروضة ، ولا يكفي أن تكون المعلمة تحمل الإجازة الجامعية لتنجح في التعامل مع هذه البراعم الصغيرة, فالشهادة وحدها لا تكفي، وإنما على المعلمة أن تتمتع بالثقافة الواسعة التي تؤهلها لمعرفة خصائص نمو الأطفال فتستطيع مساعدتهم على فهم البيئة المحيطة بهم, و تزويدهم بالقيم الوجدانية وأن تتمتع بالنشاط والقدرة على الحركة بخفة لكي تتمكن من اللعب مع الأطفال والجري وراءهم ومتابعتهم في جميع تحركاتهم ,و أن تتمتع كذلك بوضوح الصوت وهدوئه.
وتابعت: على المعلمة انتقاء الألفاظ التي تخاطب بها الأطفال لأن الطفل سريع التقليد, إضافة إلى التواصل مع أولياء الأمور لأن التعرف على الطفل أمر في غاية الأهمية ، ومن شأنه أن يضع أمام المعلمة أفضل الخيارات للتعامل معه, وتجنب العنف أثناء تعاملها معهم ، كل ذلك عبارة عن  عوامل تجعل المعلمة محبوبة من تلاميذها، فتحظى بثقتهم ، وبهذا تستطيع مساعدتهم على النمو العاطفي في الاتجاه الصحيح.
تفريغ شحنات
عبير « معلمة» قالت : أكثر ما يميز الأطفال في سن 3 -4 سنوات هو فرط الحركة الذي يعتبر مؤشراً خطيراً في بعض الأحيان على قلة التركيز وهذا ما يخشاه الأهل خاصة إذا كان في الروضة بعيداً عن البيت مع عدد كبير من الأطفال ما يتسبب بحوادث كثيرة وهنا تتفاوت رياض الأطفال في درجة الاهتمام والرعاية حسب القائمين عليها ولكنها في الإجمال تقدر تلك الناحية السلوكية عند الطفل وتترك له المجال وحرية الحركة واللعب وتفريغ شحنات الطاقة والنشاط لديه ,كما أن الجو الاجتماعي داخل تلك الرياض يسمح للطفل بتكوين شخصية مستقلة له وتعزيز ثقته بنفسه من خلال رؤيته لكل من حوله يعبر عن نفسه ويقوم بألعاب خاصة به وبالطريقة التي يرغب بها وكذلك في ابتعاده عن أمه وأخوته الكبار واعتماده على نفسه في الاتصال مع الآخرين من رفاقه في الروضة , وأضافت: 50 % من ذكاء الطفل وقدراته التحصيلية تتكون في السنوات الأربع الأولى من عمره فإذا لم يحظ الطفل بالرعاية الكاملة والصحيحة والتوجيه السليم قد يصاب بكثير من الاضطرابات والانفعالات السلوكية ويكون لديه عادات سلوكية غير مرغوب فيها وليس من السهل التخلص منها مستقبلا.
اختيار المدرسين
ريم « طالبة جامعية » رياض أطفال قالت : لقد اخترت مجال رياض الأطفال لأنني أحب التعامل مع هذه البراعم الصغيرة و لو قدر لي أن أنشئ روضة في المستقبل فإنني سأختار المدرسات بدقة عالية جدا نظرا للأهمية والدور الهام الذي يلعبنه في تكوين شخصية الطفل وخاصة أن المربية قد ترافقه سنتين قبل دخوله المدرسة ..
تنمية الشخصية
ما إن نبدأ الحديث عن الخبرات والمستلزمات والخدمات التي تقدمها الرياض لأطفالنا، حتى نشعر أننا في مزاد علني، يتوقف نجاحه على قوة الدعاية وأساليب الربح، وأن هناك خللاً مستتراً يخفي وراءه حقيقة الأسعار وجودة الخدمات
مديرة إحدى الرياض التابعة لمديرية التربية قالت : وجدت رياض الأطفال لتمهيد دخول الطفل إلى المدرسة ، ويجب أن يكون هدفها الأول تفريغ الطاقات وتنمية المواهب لدى الطفل، ولاسيما لطفل عمره أربع سنوات، فهل ترك عائلته، لنلزمه بالدراسة والانضباط بشكل مباشر ؟!.. بالطبع لا، بل يجب أن نأخذ بالاعتبار عمره، وأن يتم إعطاؤه الحروف مثلا بطريقة يستطيع استيعابها , ونحن في روضتنا توجد لدينا باحة كبيرة مجهزة بألعاب يحبها الطفل إضافة لوجود عروض فنية نحاول من خلالها تنمية شخصية الطفل وخياله ، كما يوجد معلمة لغة انكليزية اختصاصية.
وأضافت : باعتقادي أن رياض الأطفال التابعة لمديرية التربية جيدة، لما تقدمه من توجيه تربوي بشكل دائم للمعلمات وللتعليم مقارنة بما يدفعه الأهالي من أقساط رمزية وهي /10000/ ليرة دون وسيلة نقل، 15 ألف ليرة مع وسيلة نقل.
مشروع استثماري
 السيدة سوسن «مديرة إحدى الرياض الخاصة» قالت :, من أبرز وظائف الروضة تهيئة الطفل للنضج السليم، بحيث يتقبل الخبرات التي يتضمنها المنهاج المدرسي فيما بعد ويستفيد منها، لكنها تظل امتداداً لحياة الطفل في المنزل، أكثر منها مرحلة من مراحل التعليم المدرسي.
وأضافت : أن من أهم ميزات رياض الأطفال أن يألف الطفل المدرسة وأنظمتها ويعتاد الأصدقاء في المجتمع المدرسي، ويبتعد قليلا عن حنان ودفء الأسرة ويعتاد الاندماج مع الآخرين ,و أن يتقبل الطفل فكرة الانتقال من الألعاب التي هي مجرد تسلية إلى الألعاب المفيدة التي تساعد على تنمية جسمه وعقله, إضافة إلى تنظيم طاقات الطفل وتوجيهها لتحقيق أغراض تربوية و تهيئته للحياة الاجتماعية القائمة على احترام الطرف الآخر والتعاون معه وتدريبه على التفكير المنطقي ليجني ثمار الألعاب التي يقوم بها, كذلك تنويع خبرات الطفل وتهذيبها من خلال الأنشطة التي يمارسها, و البدء بتدريب الطفل على تذوق الموسيقى والآداب من خلال الأناشيد والعزف والرسم بالألوان .
وبرأيها أنه لكي تحقق الروضة أهدافها يجب أن يكون هناك المعلمة الذكية الحنونة ذات الشخصية الجذابة لما لها من أثر عظيم على تكوين شخصية الطفل    
كما أشارت إلى دور رياض الأطفال في إشباع حاجة الطفل للتعرف على أطفال في مثل سنه وحجمه يتفاعل معهم.
كما تحدثت عن بعض الصعوبات كصعوبة انتقاء المعلمين الأكفاء ذوي الخبرة في التعامل مع الأطفال «خاصة في الريف» ,  وأشارت إلى أن الرسوم المفروضة على الأهالي تعتبر عادية قياسا لغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار مما يضطر أصحاب رياض الأطفال لرفع أسعار التسجيل لتناسب هذا الغلاء ,وبرأيها أن رياض الأطفال مشروع استثماري تربوي في النهاية , لذلك من الضروري أن يحقق عائدات مناسبة ليستمر المشروع ولكن ليس على حساب العملية التعليمية.  
كوادر متخصصة
المرشدة الإجتماعية ليزا قالت : مع تغير طبيعة الحياة الاجتماعية فإن تنشئة الطفل لم تعد مسؤولية الأسرة فقط، بل أصبح لزاماً على المجتمع خلق مؤسسات تربوية متخصصة ترعى الطفل إلى جانب أسرته، وتعمل على تلبية احتياجاته النفسية والاجتماعية المتممة لتلك الاحتياجات التي يتلقاها في أسرته.. لذلك لم تعد رياض الأطفال مكاناً لحراستهم بل مؤسسات تعليمية مهمة، ومن هنا تأتي أهمية وجود مثل هذه المؤسسات التي ليست من مهمتها القيام بدور البديل عن الأسرة بل الوظائف التي من المفترض أن تقوم بها الأسرة وهذا يتطلب إعداد كوادر وخبرات متخصصة ومؤهلة تقوم بالدور المناط بها على الشكل الأمثل..
وفق القوانين والأنظمة
رئيس دائرة التعليم الخاص في مديرية التربية بحمص ممدوح البيريني أوضح لنا أنه يتم تحديد الأقساط في المؤسسات التعليمية الخاصة (رياض الأطفال) وفقاً لأحكام المادة 37 من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 و التي نصت على أن تلتزم المؤسسات التعليمية الخاصة قبل بداية تسجيل الطلاب في كل عام و اعتباراً من العام الدراسي (2013-2014) بالحصول على موافقة الوزارة على الأقساط المدرسية السنوية المحددة من قبلها لكل مرحلة و إعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة على أن يشمل القسط (الرعاية الصحية- الخدمات التعليمية – وثمن القرطاسية الخاصة بالمؤسسة التعليمية – رسم التسجيل)
وأضاف : أما بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور نقل الأطفال فعلى المؤسسة إعلام المديرية و أولياء الأمور بها سنوياً قبل التسجيل أيضاً ويعد حجب هذه المعلومات عند طلب التسجيل مخالفة صريحة تستوجب المساءلة في ضوء المواد ذات الصلة، كما يجب أن تمنح المؤسسة أولياء الأمور أيضاً إيصالاً موضحة فيه اسم المؤسسة و المبالغ المسددة من قبل الأهالي بشكل مفصل، ويجوز إعادة النظر بالأقساط المذكورة في البند الأول من هذه المادة بما لا يتجاوز 5% كل سنتين على ألا تشمل الزيادة الطالب القديم أكثر من مرة واحدة (روضة- حلقة أولى أساسي –حلقة ثانية أساسي-ثانوي)، وللوزارة الحق في إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم وفي حال صدور قوانين أو مراسيم بزيادة أجور العاملين أو قرارات بزيادة أسعار المحروقات فإذا تجاوزت المؤسسة التعليمية الخاصة الأقساط المعلنة وفق البند الأول من هذه المادة تتخذ بحقها العقوبات المنصوص عليها في المادة (101) من هذه التعليمات.
كما حددت التعليمات الوزارية أقساط الروضات التابعة لوزارة التربية مع إمكانية التسديد على دفعتين أو ثلاث دفعات مع التنويه بأن زيادة أقساط المؤسسات التعليمية الخاصة هي بسبب التغيرات الطارئة الآتية:
زيادة أجور و رواتب العاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة استناداً إلى قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن صرف التعويض المعيشي،  إضافة إلى زيادة أسعار المحروقات (المازوت) ما أدى إلى تعديل في أجور التدفئة و النقل استناداً إلى قرارات و كتب وزارة الاقتصاد و التجارة الخارجية مع زيادة أسعار مستلزمات العملية التعليمية (قرطاسية-مقاعد- صيانة أبنية- كتب…الخ) والزيادات الدورية أي ترفيع العاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة كل سنتين أسوة بنظرائهم في التعليم الرسمي,وزيادة أجور و رواتب العاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة بإضافة مبلغ مع تحديد الحد الأدنى لأجور و رواتب العاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة وفق مؤهلاتهم العلمية استناداً إلى قرار وزارة العمل.
وأضاف : يبلغ عدد رياض الأطفال الخاصة المرخصة / 276 / روضة خاصة المفتتح منها حاليا / 193 / طبعا بعد تعرض الكثير منها للتخريب والدمار بسبب الحرب ، وهناك رياض أطفال تابعة لمديرية التربية والمحدث منها / 30 / روضة بأقساط رمزية قدرها (15 ) ألف ليرة سورية والعاملون من داخل ملاك مديرية التربية والمفتتح منها ( 22 ) روضة موزعة مابين الريف والمدينة..
بقي أن نقول :
هل الحضانات ورياض الاطفال هي البديل المناسب للأسرة «للأم» تحديدا في تنشئة وتربية طفولة سليمة؟! أم اتجهت تلك المؤسسات للبحث عن الربح المادي، مع غياب الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المعنية، بحيث ابتعدت تلك المؤسسات عن أهدافها التي أنشئت من أجلها!!
في الوقت الذي لا ننكر فيه على تلك المؤسسات ربحيتها باعتبارها مؤسسات استثمارية لا تحتمل الخسارة، مع التأكيد على توفير الرعاية للأطفال.. وان لا تقتصر مهمتها على الإيواء فحسب …
بشرى عنقة – منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار