لغة السمط…“جريمة كاملة”

الجريمة الكاملة التي ترتكبها الدول النامية عموما».. والعربية خصوصا» ونحن منها على وجه التحديد… بحق نفسها وشعوبها.. هي ( تطفيش الكفاءات)… أو المصطلح الكلاسيكي الذي يحلو للكتب المشبعة بالتنظير والفلكلور الثقافي (هجرة العقول).. فما هي هجرة العقول ياسادة ولماذا وكيف تحدث… بعد أن يأتي الصبي.. ونصلي على النبي.. ونربيه كل شبر بندر ونبذل في سبيله الغالي والنفيس.. ونفني أجسادنا في تنشئته… وتبذل حكومات جهدها في تقديم الدعم والتعليم والطبابة وغيرها.. حتى يكبر ويحصل على شهادته الجامعية… فإن حصل على وظيفة وكان الحظ حليفه… دخل في متاهات البطالة المقنعة… فأغلب الوظائف لدينا لتسيير الأمور والورقيات.. ويخلو سوق العمل من البحث العلمي والأكاديمي المنتج الهادف إلى التطوير إلا فيما ندر… فالوظيفة فقط لتقطيع الوقت.. والراتب.. والجمعيات.. وضمان الشيخوخة وتبدأ رحلة الاستقراض لبناء عش الزوجية… ثم عناء رحلة البحث عن إكمال الدين… ثم يأتي الأولاد ثم يكتشف الإنسان أن الخمسين سنة الأولى من حياته ذهبت أمام الآلة الحاسبة.. وأن كل ما حققه هو بكل بساطة.. لا شيء… وأن حالة الاستقرار الاجتماعي التي أفنى عمره فيها إنما هي كانت ببساطة حالة استهلاك مجانية للحياة لم يحقق فيها أي إنجاز بالمعنى الحضاري للكلمة… وهذه جريمة بحق نفسه وبلده أما في الحالة الثانية.. إن لم يحصل على عمل.. سوف تقوده أحلامه إلى الهجرة والسفر للبحث عن حياة أفضل.. وهنا الجريمة الأكبر…. حيث ستتلقفه تلك البلاد خلف البحار بالغا راشدا متعلما وشهادته بيده لم تصرف عليه «فرنك واحد».. لينخرط مباشرة في سوق العمل والإنتاج والإبداع والبحث والتطوير…. وبالطبع موضوع توطينه لديهم أمر بسيط يسير بأسرع مما يتوقع هو نفسه… فالزوجة والسكن والراتب الفخم.. والحياة الكريمة هي تحصيل حاصل…..وحق مكتسب فهل هنالك أكبر من هذه الجريمة بحق أنفسنا وحق أولادنا… القارة العجوز مثلا تفتقر للعنصر الشاب المنتج وليس المستهلك.. ونحن نمتلكه ونفرط به.. ونقدمه لهم على طبق من ذهب بعد أن نخسر وننفق عليه كل ذلك الإنفاق.. الطاقة الشابة التي نبددها بإهمالنا لها ولاحتياجاتها ومتطلباتها وتأمين سوق عمل وإنتاج فاعل ومبدع نستطيع من خلاله مجاراة النهضة الصناعية والثورة العلمية التي باتت شمال شرق المريخ بالنسبة لنا.
سامر سلمان

المزيد...
آخر الأخبار