غنيّة كلمة ( الجدول ) و هي تتراءى على محيا المعاجم طافحة بدلالة النّهر الصّغير أو أنّها راقد ماء , و في كلا المعنيين تكون الحياة في معين أساسها وقد راحت حبيبات الماء تسقي العطاش الهيم , أو تتسرب من بين أعطاف سوق الزّروع و أصابع انفراجات الأغصان المتدلّية في ضيافة مجرى ذاك الرّافد , أو النّهر المتعطّف سواراً ما جادت به تضاريس الطّبيعة من منحنيات و حكايات منعطفات , و الماء يرتّب وقع جريانه أغاريد يطمئن لها الخير في أنفاس مساكب ورود و هاتيك الرّبوع , حيث المدى مابين أعالي سفوح و سحيق بطون الوديان في استدارة الرّؤية بصراً ساحر البهاء , و البصيرة رؤيا جمال كل مداولة لسرح تداول أيّام و عصور و دهور.
و جميلة تلك الكلمة (جدول ) عندما تعني رسماً لخطوط مستقيمة متوازية , كأنّها علاقات حسابية عدديّة مقننة الدقّة في التّوصيف و صدق الدلالة , و نباهة المباشرة من دون خطل في تعثّر للّسان , أو تخبّط سلوك في موقف , مع سعادة كسب للوقت زماناً , و للطّريق مسافة , و للقول اختصاراً, إذ المستقيم أقصر من أي منحنٍ ,و بذلك تقصر العبارة , و يتّسع المعنى, و يقل الإنشاء و تستحضر الفكرة , الّتي قد تغدو حكمة , عبرة , موقفاً , مفهوماً , مصطلحاً, أو أبجدية زاد في سفر يقصر أو يطول .
و جميل قول الشاعر في بعض من بيته (و قد يجمع الأيّام يوم قصير )
إنّ بهاء المعنى للجدول نهراً يمضي في رحاب الواحات و مطارح الطّبيعة الغنّاء يفضي إليه من اخضرار يورق نعماء آمال , هو جمال الصّدى في استقامة الرّؤى , و إدراك الحقائق في مقاربة كل أمر أو تفهّم كلّ موقف , أو قراءة كلّ سلوك من غير إطالة في حاجة إلى شرح أو تفسير أو تأويل .. و الحقّ في منطق التّفكير الرّزين ثمّة يمين و ثمّة يسار في تنظيم كلّ مسار على دروب الطّرقات , و حيثيّات العناوين العريضة للطّرائق , و عوالم البلاغة في نباهة طيّاتها ما بين ما تستحبّ و لا يستحبّ أو ما هو أبيض تقصه بتلات القطن .
في حقول من قلوب بيضاء أو سواد هلكت في متاهته ألاعيب نفوس خاوية من سداد منطق و سعة ثقافة و حيويّة انتباه ,فجاءت أيّامها حمولة جشع ريح مشهديّة بصر و قد غاب عنها كل طموح فيه تسلسل جدول الأيّام خطوط متوازية من عرق كدّ و سهر ليال و ارتقاء منابر علم في تجذّر مصداقيّة معارف و خبرات لتكون في صدارة كل طموح أوقدت الأيّام شعلتها جذوة جهد و نوعيّة أداء فكانت الأيّام إشراقات تشرّبتها ذاكرة الزّمان و حفظتها العقول الرّزينة أمانات اعتزاز في مواكب النّور صوب كل إبداع و نحو كل عطاء .
إنّها الأيّام مدرج الخطى المقصّب بأقانين الفرح الطّالع تفاؤلاً من حيثيات كلّ سعادة متوّجة بحصافة كلّ إنتاج , و مبادرة كلّ ابتكار أكان ماديّاً في منجز , أم معنويّاً في مقدح أفكار.. يتجاوز الحاضر في مدارات الاجتهاد قيماً مضافة على آليّة عمل إجرائيّ سكيته المألوف ليطفح على الجديد الطّريق منفتح مع غيري آفاقاً لابتكار أو إبداع يستتبع غيرها في قادمات الأيّام عبر مسار الزّمان و تعاقب الأجيال .
و رائع ما قاله الشّاعر :(ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلاً….. )
أكان فيما سبق أم ما سيأتي في إعمال كلّ تفكير و تحفيز قدرات كل مهارات .
أجل ليس المطلوب اجتراح المستحيل فالنّاس قدرات وفروق فرديّة ومنطق الحياة ( أيّ امرئٍ يقوى على الدهر زنده ؟) وأنّ الأيّام لا تعطي لغيرها قياداً غالباً ، إذا ما قيس حضور المرء فيها ضعيفاً مقابل وجودها ساحة ، من غير أن يقال الوهن مسلكاً في إدارة حضورنا،ولكن هو تصالح بين متحوّل وثابت ….. وحسب مقاربة المتحوّل إنساناً مقابل الوجود ثباتاً ، هو دور الإنسان سلالة في عمرانية الحياة وما التّجدد في العلوم والفنون والثّقافة والرّؤى والفلسفات إلا سير حثيث على درب صنع الحضارة الإنسانيّة سير ساق على قدم .
لا شكّ أنّها الأيّام تمرّ مرّ السّحاب وما العمر إلا انقضاء صفقة كفّ رقاد ، و أنّها حمولة متاعب في ظروف و حظوظ تشحّ في كثير وقد تشدو لغيرك بكثير فنحظى قليل كدّ بحظوظه وتشابك علاقات أو حوتها ظروف توفير مقائم لا يرقى مهر تعبك طلب ودّ قليل مما هزجت به لغيرك لكن يبقى عبق عطر تفرّدك في نتاجاتك من أصالة كدّك عطراً يفداح شذاه مدى الأيّام في خزائن السّنينوسكن الرّزانة في مصداقية النّاصعات قراطيس ما نجحت بانت عصاميّة جهد عبقت به مطالع الأيّام وغنّته الأيّام أيقونات على بصائر لها السّمو كلّ صفاء و سعادة الخير كلّ محبة.
نزار بدّور