لو أني كنت مكان صديق العمر حملت المعوَل ،عانقت الأرض ولم أحمل رشاشاً في وجه أخي ،وغرست الجوز غرست اللوز ،غرست الزيتون الكرم ،زرعت القمح ،ولم أغرس حقداً يتفيّأ ظل الفتوى ،ظل الأضغان .
لو أني كنت مكان صديق العمر ظللت أرنم همسات الصفصاف الغافي فوق العاصي ،يشتاق إلى جلسات الناس ،أحاديث الناس عن الحب الصافي بين الأجناس ،ظللت أرتل زقزقة العصفور ،هديل يمام في ألحان قصيدة .
لو أني كنت مكان صديق العمر حملت الورد حملت الأفراح كتاباً لم أحمل ساطوراً سكيناً في وجه الجار ،ولم أحمل ممحاة سوداء على الماضي أمحو زمناً يتألق في أحداث القرية والنهر العاصي وبحيرة عين التنور .
كيف نسيت صديقي رأس الماء وساقية وعيوناً ؟! أطفالاً نسبح كفراخ البط نعوم ،ونغص بفرحتنا ونجاري البلبل والحسون ؟
كيف نسيت حصاد الصيف ،بيادر قريتنا ،صيد عصافير ،والنورج والحيلان ؟! ألم نكن نركب معاً فوق الحيلان ونزهو بالحب ،وننتظر العصر لكي نأكل من عند البائع في الخيمة ،ما أطيبها حين تكون شطيرة جوز بالسكر !!
كيف نسيت رجاد الليل ،ألم نحمل كل الأكياس معاً ؟فكيف رضيت بأن تكسر سلمنا،وتمزق باب الدار وتسرق غلتنا ؟!
ألم نجلس في البيت معاً آلاف المرات ،فكيف سمحت لزناة الليل أن يخترقوا الجدران ،ويفكوا الأبواب ،يحيلون البيت الدافئ أطلالاً وخرابا ؟
لو أني كنت مكانك لم أنس ناراً نوقدها كي نشوي العرنوس الطازج كي نشوي أفخاذ ضفادع ،نرجع فوق الدراجة لاضوء لها ،والقمر يضيء دروب الناس .لا يعرف هذا من هذا فالكل بذهن الأقمار سواء .لو أني كنت مكانك لم أحمل رشاشاً أغتال به ما نسج الآباء من أحداث الحب ،وحكايات الجيران ،هذا أنقذ جارته من قلب السيل ،وذاك اقتاد الضبع ذليلاً كي ينقذ ابن الجيران .
هل تنسى كيف طوينا آفاق الوطن حنيناً من بغداد إلى الجولان ،حملنا الوطن الحب ،الشعر إلى الإنسان .
هل تنسى كيف مشينا الدرب معاً ،وقرأنا التاريخ معاً ،وحضرنا أعراس الأعياد معاً ،وشبكنا كفينا في وجه الأغراب معاً ؟!
كيف رضيت –وأنت النار –تصير دخاناً ؟كيف رضيت –وأنت حصان أن تغدو ذيلاً للفوضى والأضغان ؟!
لو كنت مكانك لم أنس يوماً أني إنسان !!
د.غسان لافي طعمة