شهدت الزراعات المحمية خلال السنوات القليلة الماضية انتشارا ملحوظا حيث تغطي شرائح البيوت البلاستيكية مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مختلف المدن السورية يتركز أغلبها في الساحل وبعض مناطق الداخل .. .
يعتبر الفريز من الوجهة الزراعية أحد محاصيل الخضر لأن زراعته تجدد سنوياً في بعض بلدان العالم ، أما إذا زرع كمحصول معمر فإنه يعد من محاصيل الفاكهة.
وهذا المحصول من المحاصيل الهامة نظراً لقدرته على التأقلم مع الظروف البيئية المختلفة وكثرة فوائده الغذائية والطبية، وقد تضاعف الإنتاج العالمي من ثمار الفريز ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين.
زراعة الفريز في سورية حديثة العهد ومحدودة الانتشار بالرغم من ملاءمة الظروف البيئية في كثير من مناطق القطر وبدأت بالدخول بشكل خاص على الساحل السوري بصورة فردية منقولة من الدول المجاورة من أجل الاستهلاك الخاص والمحلي, ثم بدأت زراعته بالانتشار تدريجياً لتشمل مناطق عديدة من القطر.
لكن هذه الزراعة ورغم زيادة المساحات لم تشكل حتى الآن حجما مهماً على عكس كثير من الزراعات وذلك لأسباب كثيرة ، التقينا عددا من المزارعين للحديث عن تلك الأسباب وصعوبات العمل التي تواجههم .
مع المزارعين
وأشار أبو مصطفى “مزارع” من قرية أم جامع بريف تلكلخ أن عدد البيوت المزروعة بالفريز في القرى التابعة للريف الغربي حوالي /1800/بيت ، وبرأيه أن السبب يعود إلى سهولة تسويق الفريز من خلال تجار محليين وبأسعار تصل إلى أكثر من /500/ل.س للكيلو غرام الواحد وخاصة مع بداية الإنتاج كما أن كلفة الخدمات المقدمة لمحصول الفريز أقل بكثير من المحاصيل الأخرى ..
مشيراً إلى أن عمليات زراعة بذور الفريز ضمن عبوات صغيرة تبدأ منتصف الشهر الجاري حيث يحتاج البيت الواحد الذي تبلغ مساحته /300/متر مربع إلى /2500 /شتلة وتستمر فترة الإنتاج نحو ستة أشهر ويبلغ المعدل الوسطي لإنتاج البيت البلاستيكي نحو /2/طن ..
وأوضح فوائد الزراعة المحمية والمتمثلة في التوسع الرأسي في الزراعة وزيادة عدد النباتات في وحدة المساحة ما يؤدي إلي زيادة الإنتاجية وزيادة ربح المزارع من الوحدة المساحية واستمرارية إنتاج بعض محاصيل الخضر طوال العام من خلال التكامل بين الزراعة المكشوفة والزراعة المحمية فضلا عن دورها الهام في زيادة كمية المنتج الزراعي القابل للتصدير.
ويقول أبو أحمد أحد منتجي الفريز في تلكلخ أنه كان يعتمد على زراعة كل أنواع الخضار المحمية إلا أن ارتفاع تكاليف المحروقات وعدم حاجة الفريز للتدفئة دفعه إلى تحويل قسم كبير من زراعاته المحمية إلى الفريز لما يحققه من أرباح..
بينما يؤكد المزارع محمد الأحمد أنه من خلال تجربته الطويلة في زراعة البيوت المحمية تبين له أن تكلفة زراعة الفريز أقل من باقي المزروعات حيث يمكن أن يحصل الفلاح على شتول الفريز من البيت المزروع سابقاً دون الحاجة إلى شراء البذار كما أن عملية تعشيب وخدمة الفريز لا تحتاج إلى أيد عاملة كثيرة بالمقارنة مع باقي المحاصيل ومن جانبه ..
وأضاف : يسعى مزارعو المحافظة بشكل دائم لتطوير هذه الزراعة من خلال استخدام أفضل التقنيات في الزراعة والأنواع المميزة للبذور المعدة للتصدير بغية الاستفادة المثلى منها، وهذه الزراعة تؤمن فرص عمل كبيرة حيث أنها تقوم على الاستغلال المكثف لرأس المال في مساحة محدودة من الأرض وتشغيل أكبر قدر من العمالة المدربة في وحدة المساحة.
المزارع بلال خضر من قرية الخويخة قال : زراعة الفريز رغم أنها محصورة في المناطق الساحلية وحمص لكنها تنجح في جميع أنواع الأراضي بشرط أن تكون خالية من الحشائش والأملاح وأن تكون تربة متعادلة تقريباً وتعتبر الأراضي الرملية أو الصفراء أفضل الأراضي لهذا المحصول ..
وهناك طريقتان لزراعة الفريز الطريقة الأولى وهي الزراعة بالشتلات المثلجة وتتم في الأسبوع الأخير من شهر آب وخلال شهر أيلول وتستمر إلى /8-9 أشهر بالأرض المستديمة منها شهران أو ثلاثة لجمع المحصول وهذه الشتلات قد سبق قلعها من المشتل في شهر كانون الثاني ثم تخزينها على درجات حرارة منخفضة من/ 1-2 / درجة مئوية ومن ميزات هذه الطريقة أنها تعطي محصولاً وفيراً ولكن عاب عليها تأخر الإنتاج ..
أما الطريقة الثانية هي الزراعة بالشتلات الطازجة وتبدأ في الأسبوع الأخير من شهر أيلول وطوال شهر تشرين الأول ويمكن أن تستمر حتى منتصف شهر تشرين الثاني حيث يتم قلعها من المشتل وزراعتها مباشرة وإذا تعذرت الزراعة مباشرة فيمكن حفظها لمدة أسبوعين على درجة حرارة /2/ درجة مئوية بل قد تزيد هذه المعاملة من النمو الخضري والمحصول وتعطي هذه الطريقة الإنتاج في شهري كانون الأول وكانون الثاني والذي قد يستمر حتى آذار ونيسان وغالباً تتم زراعة هذه الشتلات تحت الأنفاق من البيوت البلاستيكية حيث أنها تزرع عادة لغرض التصدير..
ومن مميزات هذه الطريقة أنها تعطي ثماراً بعد فترة قصيرة تبلغ شهرين ونصف من الزراعة أي في أواخر شهر تشرين الثاني وتستمر حتى شهر نيسان إلا أن محصولها يعتبر قليلاً ويعادل حوالي نصف محصول الزراعة بالشتلات المبردة هذا إلى جانب أنه لا تتم إزالة الأزهار التي تتكون على النباتات كما في الطريقة الأولى ولا ينصح بتعقير النباتات حيث أن التعقير يؤدي الى تدهور مواصفات الصنف وهناك محاولات لتغطية الشتلات..
جمع المحصول
أما بالنسبة لجمع المحصول يضيف خضر قائلاً يتم ذلك يومياً وفي الصباح الباكر ويتوقف بمجرد ارتفاع الحرارة على أن يجمع الفريز على درجات مختلفة من النضج حسب مكان التسويق كما يراعى أن تجمع بالكأس في جميع الحالات إلا إذا كانت تجمع لغرض التصنيع فتجمع بدون الكأس وفي الحالتين يجب استبعاد الثمار التالفة والزائدة النضج حتى يمكن تجنب الإصابة بأعفان الثمار وتلف العبوات المبردة من أجل الحصول على إنتاج مبكر ولكن لم يتأكد نجاحها أو تعميمها على جميع الأصناف حتى الآن..
فلاح آخر يدق جرس الإنذار ليؤكد على أن الزراعة المحمية في خطر ويرى أن هناك حلولاً في المدى المنظور يمكن السعي إليها للحيلولة دون وقوع كارثة تؤدي إلى خسارة هذا الجانب الزراعي الهام على صعيد الحلول المستقبلية يجب الانتقال إلى الزراعة العضوية بدلاً من الزراعة التقليدية في البيوت المحمية واستبدال التسميد الكيميائي بالتسميد العضوي واستخدام المكافحة الحيوية بدلاً من الكيميائية..
وعلى صعيد الحلول المستعجلة ينبغي تأمين مستلزمات الإنتاج من قبل الجهات المعنية وخاصة الوقود والأسمدة ويتساءل ألا تستحق الزراعة المحمية في سورية اهتمام وعناية أكبر؟!
ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي
وعن سبب توجه عدد كبير من مزارعي قرى الريف الغربي في محافظة حمص لإنشاء بيوت بلاستيكية وزراعتها بالفريز بدلاً من الزراعات التقليدية قال رئيس فرع اتحاد الفلاحين يحيى السقا : نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وصعوبة تأمين مستلزماته ، وتتركز زراعة هذا المحصول في ريف تلكلخ وذلك بسبب توافر الظروف الحيوية والمناخية الملائمة من طقس معتدل وأمطار وفيرة..
وبين : أن زراعة الفريز تأتي في المرتبة الأولى من حيث الزراعات المحمية في تلكلخ حيث بلغ عدد البيوت المزروعة بالفريز /2638/بيتاً تليها البندورة بـ2124 بيتاً والخيار /306/ والفليفلة (147) والفاصولياء (53) بيتاً …
ويعزو السقا سبب التوجه إلى زراعة الفريز على حساب باقي المحاصيل إلى عدة عوامل أهمها انخفاض تكاليف زراعته و عدم حاجته خلال فصل الشتاء إلى تدفئة عالية مقارنة مع البندورة والخيار والفاصولياء إضافة إلى وفرة إنتاجه .
مناخ مناسب
مدير زراعة حمص المهندس نزيه الرفاعي أشار إلى أنه يمكن زراعة الفريز من بداية الربيع وحتى نهاية الخريف لكن تاريخ الزراعة يتوقف على عوامل عديدة أهمها: إذا كان الهدف هو الحصول على أكبر كمية من الثمار دون الاهتمام بالحجم والنوعية تتم الزراعة بشكل مبكر وباستخدام شتول مبردة، أما في حالة البحث عن ثمار كبيرة الحجم وجذابة تزرع النباتات في شهر آب حيث أن أول دفعة من الثمار تنضج بعد عدة أسابيع من الزراعة وتكون الأسعار مرتفعة.
كما يختلف تاريخ الزراعة حسب نوعية الشتول المستخدمة ، أو حسب تقنية الزراعة ففي الزراعات الحقلية المكشوفة أو ضمن أنفاق صغيرة يمكن استخدام نباتات مبردة وتتم الزراعة من بداية نيسان وحتى آب حسب منطقة الزراعة.
ويلعب مناخ منطقة الزراعة دورا مهما أيضا :ففي حال تمت الزراعة خلال شهر أيار وحتى منتصف حزيران في المناطق الباردة نسبياً يفضل استخدام نباتات مبردة، أما في المناطق الأكثر دفئاً تتم الزراعة اعتباراً من منتصف حزيران وحتى نهاية آب .
وأوضح أن الاتجاه نحو الزراعة للتصدير أدى إلى تعدد الشركات التي تعمل بنفس المجال ما خلق فرص عمل كثيرة حيث أن كل شركة تعمل في هذا المجال توظف عددا كبيرا من العمال في مختلف المجالات المتعلقة بهذه الزراعة من زراعة وتوضيب وشحن ومحاسبة وغيرها.
وأضاف : يبلغ عدد البيوت البلاستيكية المزروعة بالفريز 8603 منها (1245) بيتا منظما و(7358) غير منظم ، وتبلغ إجمالي المساحة المزروعة 2150750 م2 ، أما تقديرات الإنتاج المتوقعة 12905أطنان ، أما الكميات المسوقة فبلغت 5590 .
كما أشار إلى وجود بعض البيوت المتضررة بسبب الصقيع ويبلغ عددها 527 بيتا في حديدة على مساحة 59050 م2 ، وفي الحواش عدد البيوت 624 بيتا على مساحة 124800 م2 بنسبة ضرر 12% وفي أم جامع عدد البيوت 2703 على مساحة 682500 م2 بنسبة ضرر 15 % أيضا بسبب الصقيع ، وبالتالي يبلغ مجموع المتضررين 820 متضررا .
بقي أن نقول :
إن هذه الزراعة ورغم زيادة المساحات لم تشكل حتى الآن وزناً اقتصادياً مهماً على عكس كثير من الزراعات وذلك لأسباب كثيرة أهمهاارتفاع الثمن وعدم توفر أصناف حديثة محسنة وذات إنتاجية عالية ومواصفات ثمار جيدة وقلة الخبرة في خدمة المحصول والتعامل مع هذا النبات وعدم وجود صناعات تحويلية تسمح بتوسيع هذه الزراعة ، وعدم انتشار الزراعات المحمية خوفاً من غياب المردودية الاقتصادية الجيدة.
لذلك لابد من إعادة النظر بواقع هذه الزراعة والعمل على تطويرها لتساهم في سد حاجات السوق المحلية من الثمار الطازجة والمصنعة والتصدير لاسيما وإن الظروف البيئية والتربة المناسبة متوفرة في العديد من مناطق القطر ..
علي عباس – بشرى عنقة