تفاصيل

أنظر مطولاً من خلال نافذة غرفتي الى الظلام الدامس في الخارج أحدق مطولاً .. ألصق وجهي بزجاج النافذة الذي تنثال فوقه ذرات من الضباب البارد .. لعل بعضاً من هذه القطرات تسري في عروقي الظامئة لكل شيء في هذه الحياة ..
ولتبدأ الخيوط الأولى لأحلامي .. لآمالي بالارتسام , تشتعل في الظلام وتنتقل الى النور لتضيء أيامي ..
أحلام تتوضح معانيها بكل التفاصيل والتي هي خلاصة تجربة مريرة من عمر الزمن بدأت الآن تستقر وتتوضح معالمها .. تجربة سبع سنوات ونيف خفقت خلالها القلوب خفقات متلاحقة وبكت العيون مدراراً .. اشتعلت الأفكار بجحيم الكارثة التي خلفت وراءها المآسي والأحزان , مزجت الخيال بالواقع .. الحلاوة بالمرارة .. الأمل بالقلق .. الاطمئنان بالخوف ..
أيام كانت مشحونة انتصبت عائقاً بيننا وبين السعادة .. أفسدت تقاربنا .. سحب ضبابية ظهرت فابتلعت الحب والحنان من أعيننا حتى أصبحت الحياة أمامنا مرآة اجتماعية زائفة , نحاول أن نمزق بعضها لنجعل الحقيقة مجلوة عارية تنير الهدف وتهدينا سواء السبيل لأننا مازلنا نتمسك بقوة الحياة وجمالها الرائع ..
وأنا مازلت واقفة أمام النافذة شاردة الأفكار تلك التي لا يقطع سلسلتها سوى أحاديث بعض السكان الآتية من هنا وهناك وكلها تتحدث حديثاً واحداً عن الأوضاع المادية وما يترتب عليها من أعباء أخرى ،أو صوت امرأة يأتي من نافذة أخرى تصرخ صراخاً عالياً تؤنب ولدها ليقرأ دروسه مما يجعل صدري يضج بعويل من نوع خاص ثار الآن واستيقظ ..
أنفاس البعض الآخر من الجيران والذي لا يخلو بيت منهم من جريح أو شهيد تتهاوى فوق ذكرياتي المؤلمة أمامي والتي تتراقص في الغرفة تقفز أمامي لتنال من هدوئي …
أركض إلى الداخل لأجد السأم متمرداً يتناثر تحت أقدامي وفي حلقي ملايين الصرخات السوداء ..
بين عيني ينساب شريط غائم من الهموم والقلق ..
أصبحت أرى فيه الوجوه صلبة كحجر ،أناس تمشي في كل مكان لا هم لها سوى تأمين لقمة العيش …
وأنا رغم لسعات الهواء الخريفية ما زلت واقفة خلف النافذة دون حراك بصمت كئيب أمشي ..أدخل إلى الغرفة ،وما زالت الذكريات تمطر وتنثال في ذهني على وتيرة واحدة نموت خلالها ألف مرة كلما أبحر بعيداً وجه أحببناه ..نموت ألف مرة كلما تذكرنا ضعفنا البشري ،كلما وعينا حقيقة وجودنا ولماذا وجدنا ؟
عفاف حلاس

المزيد...
آخر الأخبار