قصة.. جارَتِي شجرةُ البُرتقال!

هناكَ  بأحضانِ الطبيعةِ الغَنّاء، كانَتْ أشجارُ البُرتقالِ والكرِيفون والتفّاحِ والليمون و «اليوسُف أفندي»، تتمايلُ، كلّما داعبَهَا الهواء، بلْ كانَ رقصُها يزدادُ، كلّما ازدادَتْ شِدّتُه..
قالَتْ شجرةُ تفّاحٍ، طيّبة المذاقِ، لجارتِها القريبةِ، «شجرةِ البُرتقالِ»، وكان بينَهُما فاصلٌ من الأسلاكِ الشّائِكةِ:
جارَتِي الغالية، لماذا هذا اليباسُ البادِي على أغصانِكِ؟ ما السّببُ الرّئيسيُّ يا تُرى؟
أجابَتْها شجرةُ البُرتقالِ، بصوتٍ مَبْحُوح:
جارَتِي المحترمة، سببُ اليباسِ، دودةٌ خبيثةٌ، تسلّلت خِلسَةً لِباطنِ التّربة، لتبدأ بِنَخْرِ عِظامي والجُذور.. بفِعلِها الجبّارِ، حوّلَتْ جسدِي – كما ترَيْن – لِيباسٍ قبيحٍ، وأوراقي إلى اصفرارٍ مَقيتٍ!
 لكنْ أينَ صاحبُكِ البستانيُّ؟ لماذا لم يسْتَشِرْ صاحبَ صيدليةٍ زراعيّة، فيها الأدوية اللازمة، لِتدارُكِ الأمرِ، قبل أنْ يمتدَّ المرضُ لِباقي الأشجار، فصاحبُ الصيدليّةِ، طبيبٌ اختصاصيٌّ لمعالجةِ أمراضِ الشّجرِ، وباقي المزروعات، كالطبيبِ، الذي يعالجُ البشرَ منْ أمراضِهم والعِلَل؟
بصراحةٍ أقول: صاحبِي البستانيُّ، شخصٌ بخيلٌ على نفسِهِ أوّلاً، على أشجارِهِ ثانياً، وعلى حيواناتِ البستانِ تالياً.. هوَ حريصٌ على مالِهِ جدّاً، طعامُهُ المُفضّل: «شوربة عدس»، معها قليلٌ من الخضراواتِ، وكِسْرة خبزٍ مصنوعة من الشّعِيرِ؟!
هلْ جسدُكِ، هو الوحيدُ الذي لحقَهُ هذا الاصفرار؟
لا، هناكَ كثيرٌ من الشَّجرِ، لحقَهُ مثلما لَحِقنِي، تجوّلِي داخلَ بُستانِنا، إذا شِئتِ، سَترَيْنَ أنّ كلامِي صحيحٌ، أنا لا أكذبُ، ولا أتجنَّى على أحدٍ!
                                   *   *   *
توقّف الحوارُ بُرْهةً بين الشّجرتَينِ، لِتستنشِقَ كلٌّ منْهُما دُفْعةً جديدةً منَ الهواء النّقي، قبلَ أنْ يستأنفَا كلامَهما التّالِي!
                                *  *  *
فكّرَتْ شجرةُ التفّاح، بينَها وبينَ نفسِها: «كيفَ أستطيعُ مساعدةَ جارَتِي الغالِية، لتعودَ إليها عافيتُها، ويذهب عنْها هذا اليباسُ المَقِيتُ، إلى غَيرِ رَجْعَة»؟!
                                             *  *  *
منْ جديدٍ، تلتفتُ شجرةُ التفّاح، ناحيةَ جارتِها شجرةِ البُرتقال، لتقولَ لها بانزِعاجٍ وقهر:
أرجوكِ، قولي لصاحبِ البُستانِ، على لِسانِي، «إنَّ جارَتِي شجرةَ التفّاح، تريدُ مقابلتَك، والتحدّثَ إليك»!
حاضِر.. لكنْ، لماذا تطلبينَ مقابلة المُتقاعِسِ البخيلِ، «أبي كريم»؟!
عقبَ إجراءِ اللقاء.. سأطلعُكِ على التّفاصيلِ..
                                     *  *  *
بعد مرورِ يومين ، حضرَ «أبو كريم» إلى بُستانِهِ، تجوّلَ فيه، لكنَّ صوتَ شجرةِ البُرتقالِ اليابِسةِ، استوقفَهُ:
سيّدي.. جارَتِي «شجرةُ التفّاح»، تريدُ لقاءَكَ..
لا بأس.. سأقابلُها، وأتحدّثُ إليها..
بهدوءٍ قالَتْ «شجرةُ التفّاح»:
جارَنا العزيز، لماذا تُهمِلُ أشجارَكَ، حتى إنَّ عدداً منها، بِحالةِ يباسٍ واصفرار.. الأشجارُ لا تنمو إلّا بالسَّمادِ والعنايةِ والسّقايةِ، واستخدامِ المُبِيداتِ الحَشَرِيّة، المُتوفّرةٌ بالصيدليّاتِ الزّراعيّة، بالقرَى والمُدن، أليسَ كذلك؟
لم يفُهْ صاحبُ البستانِ بأيَّةِ كلمة، فقدِ اقتنعَ أنَّ كلامَها صحيحٌ..
                                *   *   *
منْ ذلك الحوارِ البنّاء، صارَ «أبو كريم»، يزورُ الصيدلياتِ الزّراعيّة، لشراءِ الأدويةِ الضروريّة لأرضِهِ وأشجارِهِ، وعَرَفَ منَ الصّيدلي «أسامة»، (أنّ الإهمالَ المتواصلَ، وعدمَ استخدامِ الأدوية، وانعدامِ عمليّاتِ الرّشّ بالمُبيداتِ، قدْ تُحوّلُ بُستانَهُ كلّه، لِأشجارٍ يابِسةٍ، لا يجنِي منْ ورائِها، في القادم من الأيّامِ، ثماراً يانِعةً، ولا موسِماً خيِّراً)..
وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار