منذ أن انطلقت ثورة الثامن من آذار عام 1963 وقيام الحركة التصحيحية عام 1970 بدأت سورية بمختلف قطاعاتها بالتطور والازدهار والاعتماد على الذات في تأمين مستلزمات العيش الكريم والرغيد لأبناء الوطن ، من خلال توفير أساليب الدعم لكل القطاعات وخاصة الإنتاجية والخدمية ، وإنشاء الشركات والمؤسسات التي يقع على عاتقها شراء وتسويق المنتجات الزراعية بطريقة تضمن حصول المزارع على حقه من ثمن المحصول بشكل معقول ، والحؤول دون كساد الإنتاج ، ووصول المادة إلى المستهلك بسعر مقبول وخاصة في غير موسم الإنتاج وكذلك إنشاء معامل وشركات تعتمد في عملها على الإنتاج الزراعي كمعامل تصنيع الشوندر السكري ، ومحالج الأقطان ، ومعامل تصنيع العنب العصيري ، ومعامل الكونسروة .. إلخ ومن الشركات الخدمية التي كانت سابقاً : الشركة العامة لتسويق الخضار والفواكه ، والشركة العامة للحوم ، وشركة التجزئة ..
وكانت الشركة العامة للخضار والفواكه من أكثر الشركات نشاطاً وعملاً لأنها كانت تقوم بكوادرها وسياراتها بتسويق أغلب الخضار والفواكه من أرض الإنتاج مباشرة إلى مستودعاتها ومن ثم إلى صالات ومراكز البيع ، والكميات الزائدة توضع في البرادات لحفظها وتخزينها ومن ثم عرضها في الصالات والمراكز في غير مواسم إنتاجها لتباع للمستهلك بأسعار منافسة لأسعار الأسواق المحلية ، وحتى أنها كانت تؤمن كميات من التفاح والبطاطا والبرتقال لتصديرها إلى الأسواق الخارجية بعد فرزها وتوضيبها بشكل جيد وهذا الأسلوب جعل المزارعون مطمئنون على تسويق إنتاجهم لجهة تضمن تصريف الإنتاج وإعطاء السعر المناسب بعيداً عن الجشع والاحتكار .
وللدلالة على ذلك فقد قمت عدة مرات ، قبل أن أبلغ سن التقاعد ، بإجراء تحقيقات ميدانية مع لجان الشراء التابعة للشركة ، في تسويق محصول التفاح من منطقة تلكلخ ومنطقة القصير من حقول المنتجين بأسعار مناسبة ومحددة حسب النوع والصنف .
وفي بداية عمل الشركة ، وقبل أن تقوم بعملية تسويق الإنتاج ، اعتاد المزارعون على تسويق إنتاجهم إلى سوق الهال ، أو عن طريق تجار ( ضمانة) يأتون إلى الحقل ليتفقوا مع صاحبه على شراء الإنتاج دفعة واحدة وبسعر قد يكون مرتفعاً أو قليلاً حسب الاتفاق وهذا الأسلوب كان يوقع المزارع في أغلب الأحيان بخسارة ولكن بعد أن بدأت الشركة بعملية التسويق من المنتجين مباشرة ، تولدت القناعة لديهم ، وصار عندهم رغبة كبيرة في التعامل مع الشركة لأنهم وجدوا فيها الضمانة ، وقال أغلب المزارعين آنذاك : إنه لم تعد لديهم رغبة ببيع إنتاجهم إلى سوق الهال أو التجار ( الضمانة ) مهما أعطوهم من سعر .
وللتذكير فقد درجت في ذلك الوقت مراهنات وتحديات من قبل بعض التجار للمضاربة على عمل الشركة من خلال ترغيب المزارعين بدفع أسعار أعلى إلا أن الشركة بقيت مصرة على شراء أكبر كمية ممكنة من ثمار التفاح لطرحها للبيع في صالاتها أو تخزينها في البرادات .
ولكن الذي حدث هو دمج عدة شركات ومؤسسات بجهة واحدة ، تخفيفاً للنفقات وتوفيراً للتكاليف والحد من الهدر والخسارة ، فتشكلت السورية للتجارة بعد دمج ( المؤسسة العامة الاستهلاكية ، وشركة التجزئة ، وشركة الخزن والتبريد وشركة تسويق الأقمشة والمنسوجات ) واقتصر عملها على تزويد صالاتها بالمواد الاستهلاكية والغذائية والمنظفات والأدوات المنزلية والكهربائية ..الخ .
ومؤخراً وسعت مجال عملها من خلال قيامها بتسويق كميات محدودة من التفاح و البطاطا ، نظراً لضعف الإمكانيات ومستلزمات التسويق مقارنة مع إمكانات شركة الخضار والفواكه التي كانت سابقاً
لذلك بقي أداؤها خفيفاً في هذا المجال ، والمنتجون الزراعيون( في الشقين النباتي والحيواني )بقوا تحت رحمة التجار والسماسرة في تسويق إنتاجهم .
أحد المهندسين الزراعيين الذي كان سابقاً مندوباً عن مديرية الزراعة بحمص في إحدى لجان الشراء التابعة للشركة العامة للخضار والفواكه قال : اللجان المؤلفة من مندوبين عن الشركة ، ومديرية الزراعة ، واتحاد فلاحي حمص ، كانت تذهب إلى حقول المنتجين مع السيارات لتشتري الإنتاج المعبأ في الصناديق البلاستيكية التي وزعتها الشركة على الفلاحين ، وذلك وفق أسعار محددة حسب نوع وصنف المنتج وهذه الأسعار معقولة وتتناسب – إلى حد ما – مع تكاليف الإنتاج والجهد المبذول لذلك كان المزارعون يرغبون ببيع إنتاجهم للشركة .
عدد من المزارعين قالوا: كانت شركة تسويق الخضار والفواكه تجعلنا ننام ورؤوسنا مرتاحة ، لأن إنتاجنا بأيد أمينة من حيث طريقة تسويقه وسعره المناسب فهل يا ترى تعود مثل تلك الأيام؟!.
رفعت مثلا