المعروف أنّ الأجواء بين الأدباء، عبر العصور، لاتكون رائقة صافية بين الجميع،فقد يكون ثمّة عكَر هنا، وغبَش هناك، لأسباب متعدّدة، تختلف باختلاف الدوافع النفسيّة، وإذا كان البعض يظنّ، أويفترض، أن تكون تلك العلاقات على درجة عالية من الرقيّ والانسجام، منطلِقا من أنهم جميعا يدورون في فلك واحد، يُفترَض فيه أنّه الأصفى بحكم امتياحه من ينابيع الثقافة، والمعرفة، والاطّلاع الذي يعني إغتناء التجارب البشريّة، فإنّ الواقع يقول غير ذلك، ولعلّ أقرب دليل على ذلك تلك الانحرافات الخطيرة التي ضربتْ عدداً معروفا من الأسماء اللامعة في سوريّة وفي غيرها أثناء اندلاع الحريق الصهيو أعرابي الذي مازلنا نحصد الكثير من آثاره، ومن مُفرزاته.
هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ مسألة يقظة الوجدان ونقاءه لاعلاقة لها بالثقافة، فقد يكون عامل بسيط، أو حرفيّ، أو أيّ بائع، قد يكون أنقى وجداناً، وأشدّ صفاء ممّن هو بمرتبة شخص متعلم يحمل شهادة عليا ، وإذا أردنا تعليل ذلك فسوف تأخذنا الخطوات إلى فضاءات ميتافيزيقيّة، ليس هنا مجال الدخول فيها، أو الطّواف حولها.
في مدينة حمص كان ثمّة حساسيّات بين بعض الأدباء، بيد أنّها كانت الأقلّ ظهوراً، أو مثولا اجتماعيأ، أو أدبيّا، قياسا بمدن سوريّة أخرى، كانت اشتباكات الأدباء فيها تصل إلى صفحات النشر، والتشهير، والاتّهام، والإساءة، وأظنّ أنّ هذه الظاهرة مازالت قائمة في هذه المدينة.
في ثمانينات القرن الماضي حدث اشتباك ما بيني وبين( …) لم يتجاوز صحيفة العروبة، وكان أن كتب كتابة متحاملة على أحد النصوص الشعريّة لي، ولقد ظلمَني بما فيه الكفاية، وانقطع بيننا حتى السلام، وفي تلك الأثناء اندلع حريق الاغتيالات في سوريّة، على يد جماعة الأخوان المسلمين، وامتلأت الأجواء برائحة الدماء، وتهديد وحدة البلاد، وبلغني أنّ موقف (…) كان واضحاً، وعلنيّاً، وجريئاً في انتقاد هذه الجماعة ، وفي الدعوة إلى الوقوف في وجه تلك المؤامرة، بينما صمت آخرون، أو جبنوا، وصرت أتحيّن الفرص للالتقاء به لأبادره بالسلام، بعد أن كان كلّ منّا إذا التقينا يُعرض عن الآخر، وذات يوم، وكان الوقت عصرا، كنتُ قريبا من مركز البريد الحالي، متّجها جنوبا، وإذا بالصديق المرحوم دريد يحي الخواجة بتّجه شمالا، هو و(…)، وعلى الرصيف ذاته، فلمّا اقتربْنا وقف دريد رحمه الله للسلام، وخطى (…) خطوتين للأمام ووقف، فانتهيتُ من السلام على دريد والتفتّ إليه وابتسمتُ، ومددتُ يدي، قائلا:« مرحبا»، وسمّيته بكنيته، فبادلني التحيّة بوجه مفتوح، وكنتُ على موعد مع المرحوم دريد الخواجة ليزورني في البيت، فظللتُ ممسكاً بيد (…) وقلت لدريد:« نحن على موعد اليوم، أليس كذلك»؟، قال:« وأنا عند وعدي»، قلت.» شريطة أن يجيء معك أبو …»، وكان يعرف ماحدث بيننا»، فأشرق وجه دريد وقال:« بكلّ سرور»، وهكذا فرّق بيننا مافرّق، وجمَعَنا أنّنا نقف على أرض واحدة في محاربة الثقافة الظلاميّة، المذهبيّة، التي فضحتْها أحداث الحريق الصهيو أعرابي.
قرّائي الأعزّاء عدم تسميتي لمن ذكرت ناتج عن أنّني لاأعرف حقيقة موقفه الحالي من الأحداث التي ضربت البلاد..
aaalnaem@gmail.com
عبد الكريم الناعم