تعد سورية موسوعة حضارية و تاريخية نتيجة لتنوعها و إرثها الثقافي الممتد عميقا في التاريخ منذ العصور الحجرية مرورا بالحقب و الفترات الزمنية المتعاقبة حتى وقتنا الحاضر.
إن الاستمرارية و الديمومة المذهلة لحضارتها منحتها دورا هاما على الدوام في مختلف ميادين الحياة فكانت بحق موطنا رائدا للثقافة والتنوع الثقافي.
الملابس و النسيج
الملابس هي إحدى أهم الاحتياجات الحياتية و أحد أدق مقاييس رقي الأمم.
تغنينا اللقى الأثرية المكتشفة عبر تاريخ سورية الطويل بالكثير من أنواع وأشكال الملابس و الأنسجة من صوفية و كتانية و قطنية و حريرية و جلدية و الأزياء المتنوعة بتنوع الأغراض و المناسبات و الفصول للنساء و الرجال في حياتهم اليومية و احتفالاتهم الدينية و الاجتماعية بما تحمله هذه الملابس من تفاصيل و نقوش و زخارف و ما تعكسه من تأثير متبادل في المناطق المجاورة.
وتنوعت الملابس مع تنوع الحضارات واختلافها فكان هناك الزي الديني وهو زي صوفي ديني يسمى الكوناكس يرتديه القائمون على خدمة المعابد و انتشر في موقع ماري تل الحريري- دير الزور خلال الألف الثالث ق.م.
والزي الحربي: إذا ما نظرنا إلى تمثال من البازلت لجندي يرتدي درعاً و ثوبا قصير مع رداء معلق بالكتف بمشبك وكان موجودا في القرن الثاني الميلادي.
كذلك تميزت ملابس القرن الأول الميلادي كما تظهر على تمثال من البازلت لربة النصر بثوب طويل فوقه رداء قصير بثنيات مشدودة بحزام,شعرها مصفف و متوج تعلوه الخوذة الحربية.
الزي التدمري ويبدو واضحا في لوحة عشتار و لوحة عائلية جنائزية في القرنين الأول و الثاني الميلادي.
الحلي و الزينة
تبين لنا مجموعات الحلي المكتشفة عبر تاريخنا الطويل الولع الشديد لدى النساء بالحلي و رغبتهن بالتزين في حياتهن اليومية كما في الاحتفالات و المناسبات ,و كان للحلي أهمية كبيرة في جميع المجتمعات السورية .
صنعت هذه الحلي و المجوهرات من أنواع عديدة من الحجارة الكريمة و الأصداف و العاج و المعادن الثمينة كالذهب و الفضة
وصلت بعض المجتمعات و منها التدمري إلى حدود البذخ الكبير و الترف في التزين بالحلي, وقد أبدع الصناع في صياغتها و دقة و جمال صناعتها.
ومثال عليها شواهد جنائزية لسيدات يرتدين الزي التدمري و يتزين بمجموعة كبيرة من القلائد و الخواتم و الأساور و الأقراط
ففي تدمر خلال القرن الثاني الميلادي نجد قوالب من حجر الكلوريت لصب المعادن المصهورة مستخدمة في صناعة الحلي كقطع الذهب الرقيقة ، وفي منطقتي أوغاريت وحلب في الألف الثاني ق.م.
هذه اللقى التي اكتُشفت أعطتنا فكرة عن أنواع الأزياء التي كانت قبل الميلاد.
تجدر الإشارة إلى أن تنوع الإرث الثقافي و استمراريته وهو ليس وليد 500 عام بل وليد 8000 عام على الأقل وهذه الاستمرارية أعطت غنى للمنطقة بأنواع جديدة من الحلي والألبسة وكان له تأثير على حضارتنا التي لم يتوقف فيها الزمن بل استمرت وبقيت تتسم بالتجديد والإبداع
لانا قاسم