الآشوريون
ينسبهم المؤرخون إلى سام بن نوح عاشوا في بلاد الرافدين أوائل الألف الاول للميلاد عاصمتهم هي آشور على نهر دجلة , أخذوا اسمهم من إلههم الكبير آشور ،قويت دولتهم حتى استولت على العموريين في شمال سورية ثم استولت على بابل عام 1300ق. م ثم احتلت بلاد النيل فأصبحت الامبراطورية الأشورية أكبر إمبراطورية في ذلك العصر …اشتهروا بتفوقهم العسكري ولا تزال آثارهم في بلاد الرافدين شاهدة على نبوغهم حتى الآن.
هذا ما استهل به الروائي الأديب فيصل الجردي محاضرته التي ألقاها في في رابطة الخريجين الجامعيين بالتعاون مع جمعية العاديات بعنوان :أحيقار رمز الحكمة الآشورية
فقد بيّن المحاضر ان أحيقار وزير ومستشار ملك آشور «سنحاريب» كان حكيماً عظيماً ذا مال وفير ومعرفة ورأي وتدبير, لكنه لم ينجب أولاداً فتزوج عدة نساء لكن بقي دون وريث فكان كثير الهمّ حتى استشار المنجمين والعرافين فأشاروا عليه أن يذبح للآلهة ويقوم بأفعال الخير, لكنه لم ينل مبتغاه, وتضيف النصوص السريانية أنه هجر الوثنية إلى عبادة الإله الواحد لكنه لم يرزق ولداً.
التجربة خير معلم
إلا أنه سمع صوت الرب يوماً يقول له :خذ نادان ابن أختك و اجعله وريثاً, علمه علمك ولقنه حكمتك, فأخذ نادان وكان رضيعاً فاعتنى به ورعاه حتى شب فعلمه القراءة والكتابة والأدب والفلسفة والعلوم, وبعد سنوات كبر وشاخ أحيقار فأشار عليه الملك أن يعين من يخلفه بمنصبه, فأحضر نادان للملك فأعجب بأدبه وحكمته فوافق على تعيينه خلفاً لأحيقار, عندها أخذ أحيقار يبذل النصح له ويطلعه على أسرار النجاح في مهمته ساردا له تجاربه, في الحياة فالتجربة خير معلم .
نادان يقلب الطاولة على خاله
وتنازل له عن وظيفته والجزء الأكبر من ثروته العظيمة من أموال وممتلكات وعبيد من شدة محبته له, لكن آماله خابت بتصرفاته الطائشة, حتى اضطر أحيقار أن يعاقبه باسترداد الميراث ومنحه لأخيه الأصغر فيحقد نادان على خاله أحيقار ويضمر له العداء ويدبر خطة للإيقاع به.
فقام بدس خطابين موقعين باسم أحيقار موجهين إلى ملك الفرس وفرعون مصر ليظهر أحيقار خائنا لوطنه وملكه,إذ يطلب من الملكين المجيء إلى آشور لكي يستلما المملكة من دون حرب, ليقعا في يد الملك ضمن خطة مدروسة, ويزَّور نادان خطاباً ثالثاً موجهاً من الملك إلى أحيقار يطلب إليه جمع العسكر ويحضر معهم إلى موقع معين, لينفذ الأمر ويقع في المكيدة وتثبت التهمة عليه فيصدر الملك أمراً بالقبض عليه وقطع رأسه.
وتشاء المصادفة أن يكون أحيقار قد أنقذ من الموت سابقا الرجل الموكل بإعدامه, فيدبر السياف هو وامرأة أحيقار أمر نجاته وينفذ الحكم بأحد المحكوم عليهم بالإعدام… بينما يخبىءأحيقار في مكان سري لا يعلم به احد .
وتمر السنون ونادان مكان خاله مستشاراً للملك لكنه غير متزن وضعيف الرأي فيستغل فرعون مصر الفرصة لإحراج ملك آشور فيرسل إليه رسولاً يخيره بين أمرين: إما أن يرسل له من يبني له قصراً في الهواء فتدفع له مصر الجزية ثلاث سنوات أو يعجز فيدفع الجزية لمصر ثلاث سنوات, فجمع الملك العلماء والحكماء والعرافين فعجزوا عن الأمر وكان نادان أشدهم عجزاً, فيندم الملك على قتل أحيقار الحكيم ويطول حزنه حتى يمثل السياف بين يديه ويصرخ بأنه أبقى على حياة أحيقار اعترافاً له بالجميل.
فيستدعي أحيقار ويعرض عليه رسالة فرعون مصر, فيعد أحيقار نسرين كبيرين وغلامين وشريطين طويلين من القطن طول كل منهما ألف ذراع و يربط النسرين بالشريطين ويدرب الغلامين, فيعترف لأحيقار بالنصر… وينفذ أحيقار ذلك بنجاح باهر ويعود إلى بلاده معززا مكرماً وكأنه منقذ البلاد وينتقم من نادان فيربطه بسلسلة من حديد ويلقيه في مكان مظلم ويؤنبه بكلام حكمة قاس حتى انتفخ نادان وانفجر ميتاً,
تأنيب أحيقار لابن أخته نادان
النقوش التي وصلت إلينا وترجمها العلماء تبين مجموعة من الأقوال التي وجهها أحيقار لابن اخته بسبب خيانته له منها:
– يا بني كنت لي كمن رشق حجراً إلى السماء, ولكن لم يصل إليها, إنما بعمله هذا يكون قد أخطأ.
– كنت لي مثل من رأى رفيقه يرتجف من البرد فصب عليه قربة ماء بارد.
– يا بني لقد كنت لي كأسد ربط إلى جانب ثور فالتفت الأسد إليه ومزقه.
حكم أحيقار
تعتبر تعاليم أحيقار لابن اخته نادان من عيون الحكمة, وهي تدل على سعة الأفق وعمق النظرة الفلسفية إلى الحياة., خاصة وأن أحيقار كما تدل أقواله قد توصل بعقله وفؤاده إلى الإيمان بالإله الواحد.
ومن أهم الحكم التي وجهها لابن اخته: يا بني إن سمعت كلمة فاتركها تموت في قلبك ولا تبح بها لئلا تصبح جمرة في فمك فتكويك وترتكب إثما ويغضب الله عليك.
ولا تكن عجولا متسرعا فإنك ستشبه شجرة اللوز التي تثمر قبل الاشجار فيؤكل ثمرها ,اخفض صوتك فالمرء لا يستطيع ان يبني بيتا بالصوت العالي وإلا لكان الحمار بنى دارين بيوم واحد ,يا بني لن تضل إذا عاشرت حكيما ,ومع الضال لن تتعلم الحكمة. ولا تجلب عليك لعنة أبيك وأمك فإنك لن تفرح بنعمة بنيك ,ولا تدع صاحبك يدوس على رجلك فإنه سيتمادى ويدوس على رقبتك,كن أول من ينهض من الوليمة وإذا اردت ان تكون حكيما فاكفف يدك عن السرقة ولسانك عن الكذب, ولا ترفع عينيك إلى امراة جميلة لان الكثيرين أهلكهم جمال المرأة فحبها نار موقدة ,هكذا ختم المحاضر كلامه بعد أن دار نقاش جميل أغنى الجلسة بكثير من الافكار القيمة.
المزيد...