البنية الدلالية في رواية المستنقع لحنا مينه (عالم المعنى والثنائيات الضدية)

تشكل هذه الرواية نظاما من التناقضات في رمزية شفافة تكون معنى وفئات دلالية من خلال عدد من الثنائيات الضدية التي تصور الصراع الدائر في الرواية التي تشكل بمجموعها الدلالة العامة التي تبغي إيصالها هذا ما ورد في محاضرة الدكتورة سحاب شاهين عن البنية الدلالية في رواية المستنقع لحنا مينه وتضيف : أن رواية المستنقع تصور عالم الفقر والدعوة إلى التخلص منه والقضاء عليه لتحقيق حياة اجتماعية أفضل ,تتجلى هذه الفئات الدلالية في الثنائيات الضدية الآتية:
الفئة الدلالية الغنى والفقر
إن رواية المستنقع هي قصة صراع مع الفقر للقضاء عليه واستئصال جذوره في حدود الإمكانيات المتاحة التي يتيحها الوعي الذاتي والوعي الجماعي والشروط الموضوعية القائمة حيث يصبح الفقر هاجسا وحافزا للنضال,و يُشعر صاحبه بهدر الكرامة خاصة حين السعي لأسباب العيش بكل الوسائل المشروعة على الرغم من الشقاء.
الجوع والشبع
الفقر يؤدي إلى الجوع فلا طعام بلا عمل والسغب يعصف بالبطون وخاصة بطون الاطفال الذين يبكون من شدة آلامه حتى اضطر سكان المستنقع لصيد سمك الحنكليس من المستنقع وأكل البزاق ,وزادت المأساة عندما توقف العمل في المرفأ وبدأت مجاعة مخيفة تزحف كغيمة سوداء في المساء .
العمل والبطالة
بسبب الإحتلال الفرنسي لسورية حلت البطالة والجوع وراحوا يتحدثون عن (الكريزة التي سيفقد جراءها كل الناس أعمالهم فالبطالة تخيم على الجميع وتنذر بالمجاعة ,هذا ما وضحته رواية المستنقع ,إذ يصور الرواي نفسه عندما كان طفلا تعمل أمه وأخواته خادمات والوالد لا يثبت في عمل مما يجعل جهود الأم غير ذات جدوى بسبب تصرفات الأب المسؤول عن انتشار المجاعة وهذا هو بداية الوعي لدى الطفل شخصية الراوي.

الموت والحياة
يغدو الموت الجماعي هنا حقيقة واقعة ملموسة يأتي في صور قاتمة ترمز للحالة الاجتماعية التي تثير الدهشة من هول المصائب وتلاحقها ,إن الموت ليس مجرد توقف للحواس والحركة لكنه بداية اندثار وانسحاق جماعي نتيجة الفقر والجوع والعراء فيكون هو الحصاد لهذه المأساة الرهيبة.
الوعي اللاوعي
وسط هذه الظروف القاهرة فرديا وجماعيا يبدأ الوعي فمن الناحية الفردية يدرك الصبي الراوي إن الأم ليس لها دخل في هذا الجوع فهي تعمل فوق طاقتها ,وهذا الوعي يقود إلى البحث عن الأسباب ومعالجتها في محاولة للخلاص ,ويبدو هذا الوعي أكبر من وعي الطفل.
الريف والمدينة
يصور لنا الكاتب اضطرار الانسان لهجر مدينته هربا من الفقر ليسقط في فقر أدهى فيضطر للعمل في أشغال مهينة ويسقط في مستنقع المدينة حيث الفقر والمجاعة والبطالة مؤشر لأزمة اقتصادية عالمية.
العلم والجهل
يبين لنا الكاتب أنه لم يكن يوجد في قريته او حيه كله من يحسن القراءة والكتابة فالجهل هو المسيطر ويطرح الكاتب رؤيته بالخلاص الفردي والجماعي من خلال العلم وحده فقط.
الهزيمة والانتصار
تتجلى الهزيمة في تفكير الام الغيبي وآرائها السلبية التي تدعو إلى التسليم بالامر الواقع وترجع سبب الفقر إلى النصيب,لكن الصبي الراوي حقق نصرا لنفسه حين تحول من التفكير الغيبي إلى التفكير المادي وتجاوب مع حركات النضال والتظاهر التي تجاوزت الماورائيات وقاومت المستغلين, لمواجهة تعسف الاستعمار والاغنياء وإن هذا الصراع بين الهزيمة والانتصار معزز بالمسافة البعيدة بين واقع الحي الفقير الأعزل ومظاهراته السلمية وبين الاستعمار المدجج بالعتاد.ويأتي الفصل الاخير من المأساة الملهاة بسلخ لواء اسكندرون واضطرار مدينة بأكملها إلى الهجرة …إن مشهد مدينة تهاجر من أوجع المشاهد وأقساها ويصف ذلك بقوله :« العيون حزينة منكسرة ,الوجوه واجمة شقية والبيوت خاوية مهجورة والأمهات والأطفال على الدروب والرجال يحملون الأغراض ويسوقون العربات والسيارات تهدر في قوافل محملة بالاثاث والعويل والبكاء واختلاط الناس ببعضهم البعض.؟!
سحاب شاهين محاضرة في جامعة البعث حصلت على جائزة اتحاد الكتاب العرب في البحث الادبي عام 1999 مثلت اللجنة المركزية للتمكين للغة العربية في حمص عامي الـ 2007 والـ 2013لها العديد من الأبحاث والدراسات منها بنية الرواية وتقنيات السرد عند الروائي عبد الغني ملوك ولها ست مجاميع شعرية وكتاب في النحو بعنوان الموجز والمبسط في النحو والصرف والاملاء.؟
حنا مينه ولد في 9/ 3 / 1924 في اللاذقية لأسرة فقيرة وعاش طفولته في قرية السويدية الغربية من لواء اسكندرون وأجبره دخول الاحتلال العثماني على النزوح مع عائلته إلى اللاذقية دخل المدرسة في سن السابعة وحصل على شهادة التعليم الابتدائي ولكنه لم يكمل تعليمه لسوء الأحوال المعيشية والفقر المدقع, عمل في بداية حياته موزعاً لجريدة الشعب ودخل المعترك السياسي وناضل مع رفاقه ضد الاحتلال الفرنسي ثم عمل حمالا في مرفأ اللاذقية ثم حلاقا,بدأ عمله الادبي في جريدة الغنشاء الدمشقية وكتب المسلسلات الإذاعية قبل أن يعمل في وزارة الثقافة ,أسهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين عام 1951, شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1959,حصل على جائزة الكاتب العربي عام 2005له أكثر من أربعين رواية وقصة منها المصابيح الزرق المنتجة للتلفاز والشراع والعاصفة المنتجة للسينما ,توفي في 21 /8 عام 2018 متما الخامسة والثمانين من عمره .
ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار