يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن لا نجد من يضع العصي بالعجلات خاصة في مؤسسات و شركات القطاع العام و التي تتحول رغم إمكانياتها الكبيرة إلى مساهم أقل شأناً من القطاع الخاص لما يتمتع به من مرونة في التسويق و التحكم بالأسعار صعوداً و صعوداً إذ أنه من النادر جداً بل من المحال أن نجد منتجاً في القطاع الخاص أقل سعراً من المنتج الحكومي إلا إذا كان الأول يتلاعب بالمواصفات أو أنه قادر على استرجاع (الخمير و الفطير) بطرق كثيرة …
اليوم وبالنسبة لمادة الإسمنت نجد أن الساحة فارغة أو مفرَّغة لتجار القطاع الخاص وتسويق المادة في مؤسسة عمران يقتصر على شركات ومؤسسات ومتعهدي القطاع العام …
فتح باب المنافسة
خلال مرحلة عمل المؤسسة التي تجاوزت الـ 40 عاماً ساهمت «عمران» في تأمين مواد البناء بشتى أنواعها خاصة مادة الإسمنت للقطاعين العام والخاص والمواطنين، حيث كانت الوحيدة التي تقوم بهذا الدور الخدمي إلى أن تم فتح باب الاستيراد وأصبحت المادة تباع من خلال مستوردي القطاع الخاص ,كما سمح القانون رقم 10 الخاص بالاستثمار والمشاريع الاستثمارية بإحداث معامل جديدة لإنتاج الإسمنت وبيعه في السوق المحلية ومنافسة القطاع العام، حيث صدر في العام 2009 القرار رقم 9905 تاريخ 22/11/2009 المتضمن منح مؤسسة الإسمنت التابعة لوزارة الصناعة بيع المادة داخلياً وخارجياً وبالسعر الذي تراه مناسباً، ومنح مؤسسة العمران حرية شراء المادة من أي مصدر داخلي أو خارجي وبيعه وتصديره وبالسعر الذي تراه مناسباً أيضاً. ,ومما جاء في القرار إلزام متعهدي القطاع العام باستجرار حاجاتهم من الإسمنت المعبأ أو الفرط عن طريق مؤسسة العمران..
والسؤال المطروح .. عن عدم وجود روح الفريق بين المنتِج و المسوِّق و التعاون و التكامل بين الطرفين علماً أن النتائج ستصب في مصلحة الطرفين؟؟ خاصة وأن القانون جاء ليخلق شيئاً من حرية الحركة و ليس التعطيل لطرف على حساب آخر ؟؟؟
بنى تحتية بالمليارات
وفي حديثه للعروبة قال المهندس يعرب ميلاد مدير فرع مؤسسة العمران بحمص: تعتبر عمران بفروعها مؤسسة خدمية ذات طابع اقتصادي تسعى دائما للتدخل الايجابي في السوق وإلى تحقيق الربح حيث تقوم ببيع كميات الاسمنت الواردة إليها..
وذكر بأن الفرع بمراكزه مهيأ لاستيعاب كميات كبيرة من مواد البناء كون التسويق هو أساس العمل , ويوجد للفرع 14 مركزاً اثنان في المدينة و الباقي موزعة في الريف كلها جاهزة وتعمل عدا الواقعة في المنطقة الشرقية وفي الريف الشمالي و بالنسبة لعودة العمل في مراكز مناطق السخنة وتدمر والقريتين فهو متوقف لعدم وجود عمال من أبناء تلك المناطق … وأجريت العام الماضي صيانة إسعافية لمركز تلكلخ تجاوزت تكلفتها أربعة ملايين و نصف المليون ل.س بالإضافة لخروج المراكز الثلاثة في الريف الشمالي (الرستن وتلبيسة وكفرلاها)عن الخدمة بسبب الأضرار الكبيرة فيها مشيراً إلى أن اللجان لم تنه دراسة الواقع و تقدير الأضرار..
عرقلة قانونية!!
وأشار ميلاد إلى أن قرار اللجنة الاقتصادية يقضي بأن تسوق الشركة 25% فقط من إنتاجه و الباقي يتم تسويقه عن طريق فروع مؤسساتنا ,ونوه إلى أن الفرع يستجر حالياً من معامل طرطوس وحماة وعدرا بكميات تصل إلى 600 طن يومياً حسب الحاجة..
إلا أنه لا يوجد استجرار من الشركة الأقرب وهي شركة إسمنت الرستن والتي تفضل إدارتها كما يبدو لنا – والكلام لميلاد – بيع المنتج بشكل مباشر دون التنسيق مع فرع المؤسسة أبداً ,وأشار إلى أنه عقب تحرير الريف الشمالي من الإرهاب و قبيل أن تبدأ الخطوط بالعودة للإنتاج كان لنا زيارة للشركة و أبدينا الرغبة في التعاون إلا أننا لم نلق أي تجاوب ؟! وتساءل ميلاد عن سبب استخدام القانون ذريعة للمخالفة الواضحة و تعطيل عمل مؤسسة حكومية أخرى؟!
ونوه إلى أن شركة إسمنت الرستن تعمل على إلغاء دور العمران التسويقي والبيع للتجار ,وأشار إلى أن هذا الإجراء يؤدي لتقوية ساعد الخاص على حساب القطاع الحكومي والتحكم بالمنتج و بالأسعار..
من جهته أكد مدير شركة الإسمنت المهندس سمير ظباطح أن الطلب من فرع المؤسسة لم يكن بشكل رسمي !
ثم أردف :طلبنا كشركة رفع السعر الذي ستستجر به المؤسسة بهدف رفع نسبة الربح للشركة مؤكداً بأن السعر الحالي و هو 40500 ل.س للطن الواحد بينما ستبيعه عمران بمبلغ 44500 ل. س وهذه الأرقام لاتحقق نسب ربح جيدة للشركة ..
مستثنون
وعند السؤال عن عدم الالتزام بالبيع عن طريق المؤسسة وقانونيته .. أجاب ظباطح :إن شركة إسمنت الرستن إحدى الشركات التابعة للمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء بدمشق و تنتج إسمنت بورتلاندي عادي و يتم استجرار الإسمنت بشكل مباشر من القطاع الخاص ,ونحن مستثنون من الالتزام بالبيع لعمران حسب النسب وفق العلاقة السعرية المحددة والمعممة بيننا نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج لدى الشركة بشكل خاص كونها كانت تعمل على الطريقة الرطبة ,واليوم تستجرمادة الكلنكر من الشركة السورية بحماة ونقوم بعملية الطحن والتعبئة فقط …
والسؤال المطروح هنا عن مدى صلاحية هذا الاستثناء إذا كان المنتج اليوم لا يطابق المواصفات التي استثني من أجلها من التسويق عن طريق فروع المؤسسة ولا ينتج نفس المادة التي استثني من أجلها بل يقوم بإنتاج الاسمنت الأسود وهو غير مستثنى ؟
التوقف شتاءً
وأشار ميلاد إلى أن الشركة لا تتوفر فيها مستودعات تستوعب كامل الإنتاج و كانت ظروف الصيف مناسبة للإنتاج و البيع بشكل مباشر متسائلاً عن خطة العمل خلال فصل الشتاء ..
وأجاب ظباطح عن هذا التساؤل بأن الشركة ستتوقف عن الإنتاج في فصل الشتاء حرصاً على عدم تضرر المنتج ,ونوه إلى أن الإنتاج سيكون حسب الطلب فقط…
وأكد ميلاد أن فرع المؤسسة قادر على الاستجرار على مدار العام و بالكميات التي ينتجها ويخزنها في مستودعات نظامية كلف إنشاؤها المليارات لتكون مناسبة لهذا الموضوع..مشيراً إلى أن هذه الصيغة من العمل حققت إنتاجاً وربحاً خلال أشهر الصيف و فرضت توقفاً خلال أشهر الشتاء و هي صيغة تحدُّ كثيراً من الجدوى الاقتصادية للشركة و مراكز التوزيع؟؟ و بالتالي ستلحق خسارة بالقطاع العام .. وهي خسارة تصب في مصلحة القطاع الخاص فقط دون غيره لأن المواطن هنا بعيد تماماً عن العملية كونه سيكون تحت رحمة الخاص و تحكمه بالأسعار و بالأسواق ..
الاتفاق وارد
وأكد ميلاد إلى أن القانون يقضي ببيع 25 % فقط من الإنتاج إما أن يبيع 100% من الإنتاج دون تزويد «عمران» بأي كمية فهو أمر لايستند بشكل حقيقي إلى نص قانوني واضح..!
من جهته ذكر ظباطح بأن الشركة تبيع حالياً بشكل مباشر سواء لتجار القطاع الخاص أو لشركات القطاع العام ومنها شركة البناء و التعمير و التي استجرت (إسمنت) بقيمة تتجاوز العشرين مليون ل.س ,مؤكداً بأن الاتفاق وارد مع فرع مؤسسة العمران ولا توجد أي نية لحجب القطاع العام كما يشاع ,و إنما نطلب فقط زيادة سعر الاستجرار, ونحن بصدد إنتاج أنواع خاصة من الإسمنت في الفترة المقبلة ..
فروع مؤسسة قائمة لكنها غُيِّبت
وأضاف :ميلاد قبل قانون الاستثمار رقم 10 كان بيع مواد البناء محصوراً بفروع مؤسسة عمران ,لكن و بعد صدور القانون وإشراك شركات الإسمنت بالبيع و سحب الحصرية من الفروع , وبسبب مرونة القطاع الخاص والروتين الذي يتحكم بأغلب مفاصل العمل في القطاع العام تمكن الخاص من فرض سيطرته بالسوق و الوصول إلى المواطن بأسعار تبدو أقل لأن التاجر قادر على تأمين خدمات عديدة والبيع بالدين و غيرها من الأساليب التي تمكنه من تحقيق ربح أوفر وبديناميكية أفضل..
شراء الجديد أكثر جدوى
وأشار ميلاد إلى أن الشاحنات الموجودة في المؤسسة يزيد عمرها عن أربعين عاماً والطاقة القصوى للتحميل لا تتجاوز 40 طناً بينما يوجدفي القطاع الخاص شاحنات حديثة حمولة كل واحدة منها بين 60- 80 طناً و بالتالي توجد لدى المؤسسة تكاليف نقل مضاعفة تضطر لإضافتها إلى أسعار المواد و التي يأتي الحديد في مقدمتها , حيث يتم استجرار الحديد من معمل حماة حالياً ومن القطاع الخاص عند اللزوم أو من الفروع التابعة للمؤسسة عند وجود فائض ..
وأضاف :يوجد لدى فرع المؤسسة ثمان سيارات شاحنة كبيرة حمولتها القصوى أربعين طناً ,وسيارتان صغيرتان قيد التنسيق حمولة كل واحدة لا تتجاوز13 طناً ..
وقال : حتى نتمكن من العودة إلى المنافسة بمواد بناء مضمونة وتحقق المواصفات السورية نأمل أن يتم تبديل الشاحنات الموجودة لدينا بسبب ما نواجهه من صعوبة بتوفير قطع الغيار و ارتفاع أسعار الصيانة علماً أن رقم الإصلاح للعام المنصرم كان كبيراً جداً و شراء آليات جديدة بات أكثر جدوى من إصلاح القديمة..
ونوه إلى أن عدم تعاون شركة الرستن يزيد من تكاليف النقل بالنسبة للمادة و بالتالي سيزيد سعرها و تكون هنا الخسارة مضاعفة وتتسبب بخلل بتوزيع المادة في السوق ..
تقترب من 4,5 مليار ليرة
وأوضح ميلاد أن إجمالي مبيعات المؤسسة منذ بداية العام و حتى نهاية شهر تشرين الثاني وصلت إلى 4 مليارات و 496 مليوناً و 645 ألف ليرة سورية.
حيث بلغت قيمة المبيعات من الإسمنت الأسود أربعة مليارات و 74 مليوناً 358 ألفاً وكانت الكمية المباعة 86730 طناً , كما بلغت القيمة الإجمالية للبيع بالأمانة من مواد البناء المختلفة 332 مليوناً و958 ألفاً ,والقيمة الإجمالية للبيع بالشراء المباشر مواد بناء مختلفة 12 مليوناً 48 ألفاً والقيمة الإجمالية للبيع التجاري مواد بناء مختلفة 77 مليوناً 279 ألفاً ..
وأضاف ميلاد أن عدد العمال الإجمالي حسب توزعهم بين مقر فرع المؤسسة و المراكز التابعة لها يبلغ 225 عاملا و عاملة و رغم الظروف التي شهدتها المحافظة بقي العمل مستمرا بوتيرة جيدة دون توقف..
و أكد أنه لا بد من تدخل الجهات المعنية من أجل وقف البيع المباشر من معامل الإسمنت و العمل من أجل إعادة العلاقة الناظمة بين مؤسسة العمران كموزع عبر مراكزها و بين مؤسسة الإسمنت كمنتج للمادة …
وأشار إلى أنه من الضروري وجود رقابة تموينية على مراكز بيع الإسمنت التي انتشرت في الأسواق بكثرة وبأنواع مختلفة وأغلبها بأسعار أرخص ولكن لا تحقق المواصفات القياسية السورية ومن أجل ضبط الأسعار في الأسواق يجب إلغاء بيع الإسمنت المباشر للتاجر و حصر الشراء بمؤسسة العمران ,وأضاف: تشكل نفقات النقل سبباً في فرق السعر وتشكل عملية استبدال الشاحنات القديمة بأخرى حديثة عاملاً مساعداً وميسراً للعمل ..
أخيراً
بعد محاولة حثيثة للوقوف على الأسباب التي تحول دون تحقيق تواصل حقيقي بين الطرفين نأمل أن تتمكن هذه المادة الصحفية من تقريب وجهات النظروتحقيق صيغة للتواصل بين الجهات المعنية بالموضوع لتحقيق النفع للصالح العام…
هنادي سلامة – محمد بلول