في كتابها نور ونار للصحفية سعاد سليمان الصادر حديثا .. تقدح زناد الذاكرة في وقت .. بقصد الإضاءة على سنوات الطفولة , ومرحلة الصبا والشباب , وفي وقت آخر تلملم رماد ما أحرقته الأيام بحثا عن جذوة نور تضيء الطريق على ما تبقى من أيام .. وعلى ما يبدو أن الكاتبة أهملت عن قصد أو بدونه كافة المعايير التي تطلق التسميات على هذا الشكل الأدبي أو ذاك , وكتبت ما كتبته تحت مقياس واحد , أو شكل واحد , هو العفوية والبساطة , ومحاكاة الأشياء عن قرب كما هي .. حتى تكاد تشاهد جالسة ما بين السطور , وبيدها تصيغ العبارات .. تاركة للقارئ حرية اختيار التصنيف أو التسمية التي تلائم ذوقه الأدبي . وكوني من القراء الذين اطلعوا على هذا الكتاب أجد من المناسب الإبقاء عليه كما هو متملصاً من أي تصنيف , أو تجنيس , ويترك لفيض أحداثه وما فيها من حصص , وقصص تفننت الكاتبة في توزيعها بالتساوي تقريباً على عدة مراحل .. منها الطفولة وما كان فيها من ذكريات تنوس ما بين الفرح والحزن , ثم مرحلة الصبا والشباب التي لا تخلو هي الأخرى من مواقف يتماهى فيها الخير والشر , الفرح والحزن , وذلك تبعاً للزمان والمكان , والحالة المعاشة التي تفرض نفسها عسراً أو يسراً . أما ما تبقى من حصص أو أرقام , فقد وزعت على شكل حكايا وذكريات , ومواقف شخصية لنساء ورجال أثروا في حياة الكاتبة بشكل إيجابي أو سلبي أو ربما ما بين بين . ثم أن إيجابية التملص من حصار التصنيف والتجنيس المدعم باستخدام الأرقام بدلا من العناوين أعطى الكاتبة حرية التعبير بجرأة عن مكنونات مشاعرها تجاه نفسها أولا , وتجاه الآخرين ثانيا .. أما ما تبقى من قصص , وحكايا وأحداث فهي عبارة عن محطات أو ملامح لسيرة ذاتية تشكلت على الطريق التي سلكتها الكاتبة خلال مسيرتها الحياتية .. منذ تفتح أزهار وعيها ومداركها حتى اللحظة التي فكرت فيها جمع ولملمة ما كتبته خلال رحلتها الطويلة وطباعته في كتاب . وحسب ظني أن ما فعلته سعاد كان في محله .. إذ من المشوق أن يطلع القارئ على تجارب شخصية من النوع الصادق , الصافي , الخالي من دسم البهرجة والتزويق .. هذا مع التنويه أن في كتاب الصحفية سعاد سليمان الكثير من النصوص النثرية القائمة بذاتها خاصة في الصفحات الأخيرة للكتاب , تحمل ومضات شعرية جميلة مفعمة بالمشاعر الإنسانية والوجدانية .. منها : هل من بقية أم أن الوقت انتهى ؟ يرقص الزمن على أعصابي يعاتبني حينا .. يجرحني أحياناً ويسألني بصوته الأجش هل مت ؟ وحين أجيب ويعرف أنني حية تأخذه الحيرة ويتساءل كيف ؟ يبقى أن أشير أخيرا إلى تناغم أنا الكاتبة مع أنا الوطن .. بدءا من حرب تشرين في عام 1973 حتى لحظة دخول الإرهاب إلى حمص مدينة الكاتبة .. وهذه خصوصية مهمة لونت السيرة الذاتية للكاتبة بذاك الوجع الجميل الذي اسمه حس المسؤولية .
ناصر هلال
المزيد...