يوميات مواطن سابق …!!

في كتابه الجديد ،الصادر عن وزارة الثقافة ،بعنوان “يوميات مواطن سابق “يقدم لنا الأديب القاص والروائي والناقد سامر أنور الشمالي خمس مسرحيات قصيرة ،تحمل أفكاراً من وحي الحاضر وتقدم شخصيات متنوعة ،أكثرها “ضائع في زحمة الوطن “كما يقول الشمالي في الإهداء .

خمس مسرحيات تتحدى البشاعة والقتل والتدمير والاستغلال وتعريه فقد باتت هذه المفردات مألوفة في هذا الزمن ،لأنها موجودة على أرض الواقع

ففي مسرحيته الأولى “ما جرى في المسرح “ثمة ستة ممثلين أمام الجمهور ،يختلفون على أشياء ،خلال الحوار ،ويتفقون على أشياء .يتفقون أن المخرج والمؤلف وصاحب المسرح ،ليسوا مهمين في العمل المسرحي … لأنّ الجمهور   يأتي من أجل الممثلين وليس من أجل المخرج أو المؤلف أو صاحب المسرح .

يقول “ممثل “لا يحمل رقماً بينما زملاؤه الخمسة الآخرون يحملون أرقاماً من1 5-.هذا الممثل الرئيس يقول “لا نريد مديراً يستغلنا ولا قانون فوق سلطة الفن .ولسنا ببغاوات عند المخرج والمؤلف .

وقبل إسدال الستارة ،ينزل الممثلون إلى الصالة ويطلبون من الجمهور الصعود إليها (كلنا ممثلون في الحياة )ويصفق الجمهور بحرارة .وتقع المسرحية في أربعة مشاهد .

المسرحية الثانية بعنوان (ثمة وباء آخر )وهي في ثلاثة مشاهد وشخصياتها هي :كوهين (رئيس مجلس “إدارة  شركة عالمية للدواء و جورج  من شركاء كوهين والدكتور مهنّد المسؤول عن الأطباء والدكتورة يو شيموتو المسؤولة عن المخابر .ولتنوع هذه الأسماء رمزية لا تخفى على القارىء .فكوهين يخترع الأوبئة ويسوقها ثم يسوق الأدوية لها .من انفلونزا الطيور إلى الخنازير ..ويصل الأمر إلى أنفلونزا الأبقار .

يقول كوهين اليهودي الجشع (كنت أخطط لتصنيع أكثر من فيروس خلال السنوات القليلة القادمة ،ثم يأتي فيروس لعين ليعرقل مشاريعي “

وتبلغ السخرية ذروتها عندما يصاب كوهين بانفلونزا الماعز.

ولكنه يقول :”سأعيش حتى أحقق أحلامي جميعها .لن تهزمني الانفلونزا “.

بقية الشخصيات في المسرحية ،تدور في فلك كوهين ،لكنها تختلف قليلاً عنه .فجورج أصيب أولاً بالمرض ونقل العدوى للآخرين مثل كوهين وبات شغلهم الشاغل معالجة أنفسهم …!!

المسرحية الثالثة جاءت بعنوان “إشارات لأحداث لم تقع ” وهي في فصل واحد ،وفيها شخصيتان “هو “و”هي “هو :رجل متوسط العمر هادئ ورصين وهي امرأة متوسطة الجمال كثيرة الحركة ، تريد “هي “التعرف على “هو “فيرد أنه لا يحمل اسماً .وتحاول إقناعه بأن التعارف ربما يقود إلى تبادل الأحاسيس والمشاعر والعواطف .

وإذا حصل ذلك قد يكون في المستقبل زواجاً وأسرة سعيدة وأطفالاً في غاية الجمال ..”

ولكنه يرى أن الأرض “لو كانت خالية من البشر ،لزال الظلم والاضطهاد والحرب “ولكنها ترد (ويزول أيضاً الحب والعدالة والسرور ).

تعود في النهاية لتقول له (كنت أريد أن أعرف اسمك فحسب  ويرد هو (بالتأكيد سأخبرك إذا عشنا لمدة تكفي لتبادل الأسماء )وتنتهي المسرحية بصخب ويتبادلان الكلام وكأن شيئاً لم يكن .

والحوار الشائق يكون أكثر متعة عندما تقول هي (سنولد من جديد مع كل قارئ ) رداً على قوله (نحن شخصيات من لحم ودم وشخصيات من حبر وورق ).وهي تقول (لا أشعر بالراحة عندما أفكر بأنني مجرد شخصية في ذهن مؤلف أجهل من هو ).

فالشخصية على الورق ،كما الشخصية في الواقع لها آمال وآلام ….والكون لا يستقيم إلاّ بـ ( هو )و(هي )إحدى أهم أفكار المسرحية .

المسرحية الرابعة جاءت بعنوان (الوقوف في الدائرة )وهي من خمسة  مشاهد شخصياتها (الأول –الثاني –غودو)

الأول والثاني في انتظار غودو من وحي مسرحية (بانتظار غودو -لصاموئيل بيكيت- ..

يطول الانتظار ثم يأتي (غودو)فجأة ،لكنهما لا يعرفانه .وعندما يخبرانه أنهما ينتظران شخصاً اسمه (غودو)يقول لهما :

غودو –”هل تعرفان غودو “

الأول –”لا …!!”

الثاني –”هل يوجد إنسان في العالم لا ينتظر غودو؟!

والسخرية المريرة أنهما لا يعرفان شيئاً عن غودو. ويستمر الحوار حاراً

غودو:أنا غودو

الثاني :كاذب

الأول :هكذا بكل بساطة تزعم بأنك غودو

الثاني :هو بالتأكيد ليس غودو

غودو:سأقتل نفسي وأريحكم وأستريح …)

الأول :ننتظر روحك

غودو:ما هذا الهراء

الثاني: الانتظار في العالم الآخر لم نعتده،ربما لا نستطيع احتماله

الأول :المجهول أقسى من عدم الانتظار

الثاني :لهذا سنظل نتعذب دوماً

غودو يصرخ: ليت أني لم أكن أنا

يفشل غودو في إقناعمها بشخصيته وبالكف عن انتظاره، وكأن الانتظار مدى العمر قدر الإنسان ينتظر ما قد لا يأتي ،وهنا المأساة …!!

المسرحية الخامسة حملت عنوان الكتاب (يوميات مواطن سابق )والسؤال لماذا “سابق “أي أنه لم يعد مواطناً الآن ؟!! والمسرحية فيها شخص واحد (مونودراما )الرجل وحيد في منزله … أصوات انفجارات وحده على ما يبدو في الحارة (سأموت تحت الأنقاض ،فأنا مجرد مواطن كآلاف المواطنين في هذه المدينة يتخيل أولاده فيقول :

(كيف حال الأولاد ؟هل ذهبوا إلى المدرسة ؟مدرستهم مغلقة منذ شهور ؟!!!)

-(كانت تقول لي :لماذا لا ترمي الكتب في القمامة ؟!)

“أنا لا أريد التجني عليها بغيابها ،فهي امرأة مهذبة ولطيفة )يقصد زوجته .وهكذا يكلم نفسه :

“لا تمتعض من الشاي البارد ،يا صديقي ،فهذا أغلى إبريق شاي لأنه الأخير لدي .لو كان عندي الغاز لسخنته .اشربه حتى لو لم يكن محلى بالسكر .فالسكر مفقود أيضاً )

ويتطور المشهد الدرامي :فالماء مفقود وكذلك الكهرباء .

ويحصل تطور درامي مفاجئ (الإرهابيون يتراجعون ..حسناً فلو دخل هؤلاء الحارة ،فلن يجدوا غيري ).

وتنتهي المسرحية بدخول الرصاص من النافذة ..تتساقط الأوراق التي يكتب عليها ..ويصرخ ).

إنه توصيف مذهل لحالة الحرب والحصار وجرائم الإرهاب وحده بطل المسرحية لم يغادر منزله عندما دخل الإرهابيون الحارة ،ووحده يعاني .فهو بالنسبة للإرهابيين (مواطن سابق )

لأن المواطن  في وطن آمن ،عادل ،يعيش حرّا كريماً أما بالنسبة للإرهابيين فهو (مقتول أو مواطن سابق ).

ويبقى السؤال :هل وجد سامر أنور الشمالي أن المسرح أثر فعلاً بنفس القارئ أو المتلقي من الرواية أو القصة القصيرة ….فهرع إليه ؟ّ!الأكيد أن الأديب الشمالي متعدد المواهب والإبداع .

الكتاب :يوميات مواطن سابق –سامر أنور الشمالي –خمس مسرحيات –وزارة الثقافة 2020.

عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار
ردا على ما نشرته العروبة.. سيتم معالجة نقص المياه في الحارة الشمالية بالصويري ... مجلس الوزراء يناقش ويقر العديد من القضايا المتعلقة بالشق الاقتصادي والخدمي والتعليمي الجلالي: ضرورة ... سعر غرام الذهب ينخفض محلياً 25 ألف ليرة سورية جلسة دراسة قانون التجارة في حمص .. خلق بيئة استثمارية مشجعة و تبسيط إجراءات الترخيص ومواكبة التطور ا... 87 متقدماً لاختبار اللغة الأجنبية للقيد في درجة الدكتوراه بجامعة البعث الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 مصرف التسليف الشعبي ينضم لمنظومة الشركة السورية ‏للمدفوعات ‏الإلكترونية ‏ ضمن فعاليات احتفالية  أيام الثقافة السورية أمسية شعرية للشاعرين حسن بعيتي وأحمد الحمد... الطالب حسن وهبي من ثانوية الباسل الأولى للمتفوقين يحصد ذهبية في مسابقة التميز والإبداع على مستوى الو... إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص