قصة قصيرة.. ظلال الحب..

ماذا فعلتُ لأحرمَ من حياتي كفتاة في ريعان صباها تحلم أن تكمل دراستها الجامعية وتتابع حياتها مع شاب تحبه ويحبها …

هذه الأفكار  كانت تتقاذف وتتراشق في مخيلة دلال  وهي  تُزف لعماد زوج أختها غادة  التي  توفيت تاركة ولديها الصغيرين  بعد صراع مرير مع المرض ورغم نفوذه الشديد ومكانته العالية و معالجتها في أهم  المشافي إلا أن هذا لم ينقذها من الموت .

بعد أن ولدت غادة طفليها التوءم  بسنتين  ، أصيبت بمرض عضال ،الأمر الذي اضطر  دلال الأخت الصغرى أن تبقى بجانب أختها وولديها ،نزولا عند  رغبة غادة ، كانت دلال تحضّر وقتها للشهادة الثانوية فاستحضر عماد أكفأ مدرسي المدينة لتدريسها مقابل البقاء في المنزل  إلى جانب أختها المريضة فهو غائب عن المنزل بحكم عمله  المهم ! 

كان أهل دلال  يتدافعون لتلبية رغبات عماد حتى لو على حساب راحة دلال  لأنه كان  يلبي طلباتهم وطلبات أقربائهم  ….  سنوات عديدة أمضتها دلال في هذا المنزل الفخم  وهي تحلم أن تشفى أختها غادة حتى تستطيع الالتفات لمستقبلها وتحقيق أحلامها ، أحبت الطفلين  وتعلقت بهما ، كانت تحرص على  نظافتهما وطعامهما واللعب معهما بضعا من الساعات اليومية  ،كما أنها حرصت على تخصيص وقتا لدراستهما  أثناء دراستها فلكل واحد منهما الدفتر الخاص به للكتابة .

وعندما توفيت غادة خيّم  الحزن على الأجواء  و كانت دلال  تشعر أنها بحاجة للراحة مما مضى من سنوات السهر والتعب وأنها الآن لا علاقة لها بذلك القصر الفخم ،بعد أن رحلت عنه أختها . مضت  الشهور الستة بعد وفاة غادة  ودلال تجتهد في دراستها حتى تنجح في كل مواد السنة الثالثة التي لم تستطع دراستها   وكانت تتقصد تجاهل المشاكل التي كانت تقع في منزل المرحومة نتيجة عدم تقبل الأولاد لأي مربية يأتي بها  عماد إلى  البيت  .

إلى أن جاء اليوم الذي فاجأ والد دلال ابنته بطلب عماد يدها لحاجته الشديدة لامرأة تعنى بأمور طفليه والبيت،  فهو مشغول بعمله…. و لن بجد أفضل منها… لم تصدق دلال في البداية أنها لن تنتهي من قصة أختها وزوجها وولديها ،فما هذه الأنانية ، ألم تكفِ السنوات التي قضتها   مع  عائلته  في خدمتهم ؟! ماذنبي فيما أصابهم ؟  تمنت للحظة أن تصرخ صرخة مدوية تصل لأسماع الناس علهم يشعرون بأوجاعها وتعبها فرفضت عماد  رفضا شديدا بحجة الدراسة  الأمر الذي أغضب كلا من الوالدين اللذان كانا يريان أنه من غير المعقول أن يكبر الطفلان في أحضان امرأة غريبة ستنعم بنفوذ عماد وأمواله وسلطته ..وطبعا  في قرارة والد دلال لم يكن يهمه سوى  الحرص على عدم انقطاع الخيرات عليهم .

بدأت مشاغبات الماضي تنحسر وهي تسمع صوت خطوات عماد  تقترب منها حتى وقف أمامها بشخصه وهو يبدو أنيقا. وزادت وسامته بابتسامته التي حط برحال أتعابه عندها …حاولت دلال كفكفة دموعها بيديها فناولها المناديل الورقية لتمسحها وكأنه عرف ما بها فقال لها  : حقيقة أريد أن أشكرك على السنوات التي منحتي بها عائلتي من الجهد والحب والعطاء …وأنا أعرف كم كنتِ تعانين دون تذمر .

طال الصمت ولم تنبس ببنت شفة حتى استجمعت قواها قائلة: ولكني لم أكن أتخيل يوما أن أتزوج لأني فقط من تم التعود  عليها ! وأنك بحاجة لمن تعنى بأمور منزلك  لم أكن أتخيل أن أعود لهذا المنزل الذي مرضت فيه أختي !!

ابتسم وجلس بجانبها وأجابها:  ومن قال لك هذا؟ أنت تعلمين أني أستطيع أن أرتبط بأي امرأة! فقد  كنت  أشعر بالطمأنينة والسكينة عندما أعرف   أنك في منزلي و تتقصدين عدم الظهور وقت تواجدي في المنزل ، كنت أشعر أنك أكثرهم صدقا فالكل يريد المال والنفوذ إلا أنتِ ! لم يكن يعني لك المال والنفوذ شيئا ولم تضطري لمجاملتي  يوما لقد أحببت فيك أخلاقك التي لاحظتها في ولديّ واكتشفت بعد مغادرتك المنزل أنني أحببتك كثيرا  وشعرت أني خسرت جوهرة عظيمة  والبيت لا يطاق بدونك ورغم رؤيتي الكثير من النساء إلا أنني لا  أرى غيركِ..

نظرت إليه بدهشة وهي تسمع كلامه الذي لم تتوقعه منه، فاستيقظت  من شرودها على قبلة طبعها على يدها قائلا : لتعلمي أنني بحاجة إليك أكثر من ولديّ

راح يمسح لها يالمنديل آخر دمعة نزلت من رائعتيها اللتين كانتا تتابعانه بصمت فقد شعرت أن ظلاما انقشع من أمامها بعد أن  ضمها إلى صدره بقوة.

عبير منون

المزيد...
آخر الأخبار