يغبطني صديقي أبو أسامة أنني امتلك توقاً دائماً لقراءة الإعلانات التي ترصع الشوارع والساحات بألوانها وعباراتها ويحسدني على جلدي وصبري في قراءة أدق تفاصيلها والتعليق عليها ، وقد ازداد توقي واشتد صبري منذ بداية الشهر الثاني عشر من هذه السنة لأن الإعلانات كثرت والألوان تماوجت والعبارات ازدهت في إعلانات حفلات الطرب بمناسبة قدوم عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية .
وقد أثار اهتمامي وحرضني على الكتابة أن كل فنان ملأت صورته الزاهية لوحة الإعلان كتبت تحته عبارة – الفنان العربي الكبير – رغم كثرة اللوحات وزحمة الفنانين وإذا كانت كلمة الفنان تعني : من مهر في تذوق الجمال أو تحصيله أو إبداعه كالشاعر والكاتب والموسيقي والمصور والممثل ، ومحترف الفن والملازم له كما يرى مجمع اللغة العربية وكلمة : العربي تعني المنسوب الى العرب ، فإنني توقفت طويلاً عند كلمة الكبير ، التي وصف بها كل فنان في إعلانه عن حفلة غنائية وأخذت أقلب الكلمة على وجوهها المختلفة فالكبير المتقدم في السن بينما صور الفنانين المعلن عن حفلاتهم توحي دون أي لبس أن أكبرهم لم يتجاوز الأربعين .
والكبير : العظيم حسياً ومعنوياً . ولا أعرف واحداً منهم قد امتلك هذه العظمة حسياً ومعنوياً على الرغم من أنني أدعي أنني أعرف الفنانين بدءاً من : عبدو الحمولي والشيخ سيد درويش والشيخ زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب وليس انتهاء بناصيف زيتون ونهاد النجار وما بينهم ولكنني لم أسمع بأكثر من واحد وصف بالفنان العربي الكبير !!
والكبير رئيس القوم وزعيمهم ولم أسمع بواحد منهم أنه كان رئيساً حتى لأسرته أو زعيماً لحيه أو شارعه.
وقبل كل ذلك وبعده ، ماالمعايير التي تعتمد في وصف الفنان بالكبير أو بالصغير ؟! والحمد لله أن وصف الصغير غير موجود ، وكله كبير !! هل للمساحة الصوتية دور؟ هل للمعرفة بالموسيقا والمقامات الشرقية دور ؟! هل للأداء الحسن دور ؟!! هل للموهبة والدراسة دور ؟!!
أحمد الله أن الفنانين المعاصرين جداً لم يقرؤوا – هم وسدنتهم علم الصرف العربي ولم يسمعوا بأنواع الاشتقاق ومنها :
الاشتقاق الكبير والاشتقاق الأكبر والاشتقاق الكبار ، لأنهم سيسطون على هذه المصطلحات الصرفية ويجعلونها مصطلحات فنية :
وعندها سنجد : الفنان العربي الكبير ، والفنان العربي الأكبر ، والفنان العربي الكبار ،وهو المفرط في الجسامة أو العظمة ، فأدعو الله أن يحمينا من الإفراط في اللقب والفلتان في الصفات ، وعندها سيصل كل فنان إلى لقب يردده أشقاؤنا المصريون : الكبير . أوي !!
غسان لافي طعمة