عادت بقوة وأسبابها متعددة.. ظاهرة التسول تنتشر في شوارع حمص … إحالة 116 متسولا إلى القضاء العام الماضي

 أفرزت الحرب على سورية  مظاهر جديدة لم يكن يعرفها المجتمع السوري وبالمقابل أعادت وبقوة إلى الضوء ظاهرة التسول القديمة والتي كادت أن تختفي في فترة من الفترات وخاصة في مدينة حمص التي كان من المعروف عنها المدينة السورية الخالية من التسول فأصبحت اليوم هذه الظاهرة تسير في وتيرة  تصاعدية في ظل انعدام  فرص العمل واستغلال الأطفال من قبل الأهل الذين  يرسلون أولادهم للتسول  ثم يأخذون  منهم أتعاب يومهم .

 ولهذه الظاهرة  أسباب اقتصادية واجتماعية كثيرة وخاصة بعد غلاء الأسعار مادفعهم للتسول لتلبية احتياجاتهم .

قصص تتكرر

سمعنا الكثير عن قصص هذه الفئة  من الناس وعن طريقة عملهم فالطفل قيس ابن 9 سنوات  نراه يقف  في أول شارع الحضارة يبيع العلكة أو البسكويت أو المناديل الورقية ، لقد أصبح واعيا ً على معنى أن يساعد أهله ماديا ً فهو يقيم برفقة إخوته الستة ووالديه في شقة في أحد أحياء الضاحية .

 أما محمد فقد انقطع عن  الذهاب إلى المدرسة  وبدأ  يجوب الشوارع متنقلا ً بين الأحياء ليستطيع التسول دون أن يعرفه أحد وجمع أكبر قدر من المال وهو يقطن في حي شعبي لجأ إليه مع عائلته بعد تهجيرهم من حيهم منذ سنوات ، هو الأكبر بين أشقائه ويقع عليه  عبء إعالتهم مع والده الذي أجبرته  الظروف على ترك عمله والاتجاه إلى الأعمال الحرة بحسب مايطلب منه مما صعب عليهم ظروف العيش .

 ظاهرة التسول تتفاقم يوما ً  بعد يوم وتسبب العديد من المشاكل وخصوصا ً للأطفال  الذين حرموا من طفولتهم  واستغلهم البعض لتحقيق مصالح خاصة , واللافت استخدام بعض النسوة اطفالا صغارا لكسب تعاطف الناس والتجول بهم  في شوارع المدينة- أو يجلسوهم في جحورهم ويتخذون من زاوية محددة في إحدى الحارات مكانا ً يتسولن فيه ، مستعطفات المارة ويطلبن  ثمن الحليب والدواء للأطفال .

 صور عديدة نراها هنا وهناك ومنها تلك السيدة التي تظهر عليها علائم البؤس والفقر الشديد وهي مستمرة في عملها بالتسول أمام باب الخروج  من الكراج الجنوبي وإن غابت بضعة أيام تعود  من جديد للمكان نفسه وتزرعه ذهابا ً وإياباً ، تلاحق المارة بخطواتها  طالبة منهم بعض المال وتكيل لهم العديد من الدعوات كي تستجر العطف .

والعديد من الأطفال والنساء والشيوخ ينتشرون في أرجاء المدينة يسألون المارة لتوفير المصاريف  اليومية وتأمين غذائهم وسبل العيش، ولكن من هو المسؤول عن هذه الظاهرة هل هو الفقر حقا ً وغلاء المعيشة ؟ أم أن المواطن  هو السبب بإعطائه المال لهذا المتسول الذي يتخذ من التسول مهنة مريحة للكسب ؟ وان امتنع المواطن عن إعطاء المتسول هل ستختفي هذه الظاهرة؟

 حول هذا الموضوع التقينا ياسر جروان مدير مكتب التسول في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل للحديث عن  الإجراءات المتخذة للحد من هذه الظاهرة فأكد بداية أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في حمص قبل الحرب وعرفت بالمدينة الخالية من التسول، ولكن منذ سنوات خلت بتنا نشاهدها  مع بقاء نسب انتشارها  أقل من باقي المحافظات السورية فنحن لانرى متسولين في الشوارع الرئيسية وعلى شارات المرور، ولكن لايخلو الأمر من بعض المتسولين المنتشرين في بعض الأحياء ..

وقال : مع كل الظروف المحيطة لابد من التشدد في مكافحة  هذه الظاهرة بأي شكل من الأشكال وضبط الذين  يدفعون الأطفال إلى ممارسة هذا العمل ولذلك نقوم كمكتب مكافحة برصد حالات  التسول في المدينة وضبطها وتحويلها للقضاء المختص وهناك حالات تحول للنائب العام وحالات تحول لأقسام الشرطة وهم الأشخاص  مكتومي القيد وقد بلغت الحالات المحولة للقضاء العام /2020/ (116) حالة مابين أطفال ونساء والغالبية من مكتومي القيد .

وأكد : العمل مستمر على نفس الوتيرة فهناك دوريات مكثفة، صباحية ومسائية لرصد الحالات وتحويلها للقضاء وبالمقابل على المجتمع المدني والمواطنين التعاون معنا  وذلك بعدم إعطاء المتسولين أي مبلغ مالي كي لايساهموا بانتشار هذه الظاهرة .

 ومن جانب آخر لابد من تفاعل ومشاركة المجتمع المحلي والجمعيات الخيرية للحد من هذه الظاهرة وذلك بتأمين العمل أو المأوى لبعضهم أو غير ذلك من المساعدة ، و في فترة  من الفترات قام مجموعة من الشباب الجامعي بالتطوع للعمل مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل على مسألة الدعم النفسي للأطفال مما يساهم في حل بعض المشكلات لديهم وتشجيعهم على عودة الاندماج بالمجتمع.

فاتن محمد  مرشدة  نفسية قالت : التسول ظاهرة اجتماعية سلبية وخطيرة وتعاني منها كل  المجتمعات فالمتسول شخص عاطل عن العمل يلجأ للتسول كأسهل وسيلة لجلب المال .

 وهناك أساليب عديدة للتسول فمنهم من يدعي المرض أو إعالة مرضى بحاجة لعمليات جراحية أما اليوم فالغلاء الفاحش والفقر الشديد يعد سببا ً وجيها ً للتسول وقد لايجمع المتسول في يومه من الصباح للمساء مايسد به حاجته .

 ومن المهم معرفة أن المتسولين ليسوا في معظمهم معدمين ماديا ً وربما من يعطيهم النقود أشد منهم فقرا ً ولكنهم امتهنوا التسول لأنها تدر عليهم الأموال بسهولة ويسر وبعضهم قد يستخدم أناسا ً آخرين ويدربهم على التسول لجني مال أكثر بحجة أنه يعيلهم .

حكم القانون

 التسول ظاهرة سلبية لأنها تحد من تطور المجتمع وتجعل المرء إنسانا ً اتكاليا ً يعتمد على غيره في تأمين قوته من خلال استجداء عاطفة المارة ولذلك يتوجب قمعها ومحاربتها ولذلك فالمادة /596/ من قانون العقوبات  رقم (48 ) لعام1949 عرفت التسول بأنه استجداء المارة من قبل القادر على العمل وعقوبتها الحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر وحصر سلطة التوقيف بالقضاء  وجاء قانون الاتجار بالأشخاص رقم (3) لعام 2010 لتشديد العقوبة واعتبر استخدام الأشخاص في أعمال غير مشروعة جريمة اتجار بالأشخاص وهذا ينطبق على الجهات والأفراد التي  تدير شبكات للتسول .

 لابد من القول : إن  لجوء البعض  إلى التسول لم يأت من فراغ وإنما هناك مجموعة من الظروف هي التي فعلت فعلها في الفرد وجعلته  يختار هذا الطريق لكسب قوته والدافع الأهم لانتشاره هو الفقر جراء الحرب والحصار الاقتصادي وجشع التجار وشعور الفرد بالحرمان وانتشار ظاهرة البطالة وازدياد  هجرة الكثير من المواطنين من قراهم وأحيائهم للبحث عن ظروف عيش أفضل وأكثر أمنا ً إضافة إلى المشاكل التي تعترض الأسر والعائلات بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية .

 وكل ماتقدم ليس مسوغا ًلقبول هذه الظاهرة وإنما  الحل يكمن بتطبيق قوانين رادعة من قبل الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لأن التسول أصبح مهنة وحرفة تأتي بالمال والجمعيات لم تعد قادرة على منعها .

منار الناعمة – هيا العلي

المزيد...
آخر الأخبار