استفاق على صوتها بعد أن هبطت عليه الكوابيس في تلك الليلة الباردة دفعة واحدة :قم لتستحم ،قال بحسرة مقهورة: الكهرباء مقطوعة ،والغاز بالكاد نحافظ عليه من أجل طبخة يومنا ، والمازوت في الخزان يصفر … ما جعل القشعريرة تسري في جسده بمجرد إحساسه ملامسة الماء البارد ..
ضحك بامتعاض وتملكته الحيرة يبحث عن مخرج..توجه بالدعاء بكلمات مهموسة … يائسة أن تساهم الأبواب المغلقة في منع دخول أية نسمة باردة ترتعد من خلالها فرائصه ..ابتلع ريقه وهو يراقب قطرات المازوت تتساقط الهوينى وتستجيب لدعاءاته المتلاحقة بالتقتير والتوفير في حده الأدنى إذ لم يحصل حتى الآن على حصته من المازوت الموعودة في إطار الدفعة الأولى ، وليس الوحيد في هذا الأمر, بل تعالت الأصوات في كثير من الأحياء بالمطالبة…و بدا توزيع المازوت وكأنه ضرب من المُحال ،جعله ذلك يندب حظه وينضح وجهه بألم دفين ،”يلوب” كلما لاح له صهريج مازوت مهرولاً خلفه ليأخذ دفعته الموعودة ولكن ليس من مجيب والسبب سوء التخطيط والتطنيش في توزيع المازوت… فالمواطن بات ينتظر نشرات الأخبار الجوية ليطمئن بأنه لا ثلج ولا جليد في الأفق, ليس لأنه لا يحب الثلج, حيث كان في الماضي يتغزل بندفه الأبيض الذي كان يكسو الأشجار والطرقات ،بل لقلة أسباب الدفء كافة مما سيجعل الثلج والبرد يستقر بين جلده وعظامه, فشاخ قبل أوانه وامتص الكثير من صحته الجسدية والنفسية حتى باتت شكواه من الأمراض برنامجاً يومياً يمشي على إيقاع فلسفته بعد أن هجم عليه الزمن الرديء ،فتراجعت “همته” خطوات إلى الوراء باستسلام وعتب كونه لا يملك ثمن ليتر مازوت من السوق السوداء, وفقد بوصلته التي تهديه لتحسين أحواله المعيشية بعد أن تقلص الراتب أمام الغلاء وباتت الحياة عبئاً ثقيلاً..!
عفاف حلاس