ثمة مؤلفات كتب لها الخلود ، ومن هذه المؤلفات / تاريخ دمشق / لابن عساكر , فكل من كتب عن / دمشق الشام / كما تسميها بعض كتب التاريخ ، وأحوالها منذ الجاهلية وحتى القرن السادس الهجري ، الموافق للثاني عشر الميلادي ، إلا ويستقي معلوماته من هذا الكتاب ويذكر مؤلفه ..!! وهذا قلما يحصل في المؤلفات ، قديمها وحديثها.
ابن عساكر واسمه أبو القاسم علي بن الحسن ابن الحسين الدمشقي ولد في دمشق عام(499 للهجرة ) أي عام(1105 للميلاد) أخذ علمه من علماء عصره في دمشق وبغداد وبلاد فارس , وقرأ أكثر من ألف وخمسمائة كتاب قبل أن يضع مؤلفه / تاريخ دمشق / الذي يقع في ثمانين مجلداً.
وعندما بدأ نجمه يلمع ، فقد سمع به الخلفاء والسلاطين والولاة ، وقربوه إليهم وزاروه في دارته في دمشق ، قرب الجامع الأموي , وكانت عادة هؤلاء الولاة والسلاطين أن يزوروا العالم في بيته ، وهي عادة تنم عن تقدير العلم وإجلال العلماء ..!!
و/ تاريخ دمشق / أراده ابن عساكر ، مضاهياً لكتاب / تاريخ بغداد / للخطيب البغدادي وقد وضع له عنواناً هو/ تاريخ دمشق – حماها الله –وذكر محاسنها وفضلها ، ومن حل بها من الأماثل ، أو اجتاز بنواحيها من واديها وأهلها.
ويقول عن سبب شغفه بدمشق وتاريخها : أعرق البلدان وأول حضارة الإنسان .. لعلي أفيها حقها عليّ … فقد ملكت عليّ نفسي ، وحضنت طفولتي ، وصادقت كهولتي ، وأجلت شيبتي ، وكرمتني في نهايتي ، فوارت جسدي بترابها المبارك …
فالكتاب تعبير عن عشق ابن عساكر لدمشق ،مسقط رأسه ومربع طفولته , وكان تأليف الكتاب حلماً يساوره في يقظته ومنامه.
يقول محمد كرد علي ، الباحث والمؤرخ الشهير :كتاب ابن عساكر كنز من كنوز الأجداد هو عشرات الكتب في كتاب واحد …
ويقول الباحث والناقد الأدبي المرحوم الدكتور شكري فيصل : إن كتاب ابن عساكر ليس تاريخاً دمشقياً ولا تاريخاً شامياً فحسب ،وإنما هو تاريخ حضاري إنساني لهذه البلاد كلها .. فهو عن تاريخ العظام الذين مروا بدمشق الشام ، حكاماً ومؤلفين ووجهاء وأصحاب حرف وقد ذكر أسماء الرجال كما ذكر في مجلدين أسماء النساء اللواتي كان لهن دور في الحياة العامة وهذا ما لم يكن مألوفاً عند المؤرخين قبله .
ودليل فرادة الكتاب ، وعظمة شأنه ، أنه المصدر الأساسي للمعلومات عن الفترة التي يغطيها وهي ستة قرون , ولا يزال إلى يومنا هذا يدرس في الجامعات العربية ، ويذكر في الجامعات الأوروبية ..!!
عيسى إسماعيل