نقطة على السطر … ابن “الآنسة “..

مذ كنت على مقاعد الدراسة في الصفوف الابتدائية الأولى من عقود خلت لم تفارق مخيلتي بعض قصص فيها الكثير من الفرح والسعادة عن تلك الأيام الجميلة رغم الفقر الذي كان يعيشه غالبنا على مستوى الحي تقريبا حيث كانت البساطة والعفوية هي الجامع المضاف الى واقع فقر الحال الذي يجعلنا جميعا في نفس السوية إلا من رحم ربي.. و أجمل ما كان يوحدنا حينها هو ذاك المريول الخاكي ” البيج ” الذي كان يرتديه ابن الفقير وابن الغني وابن المدرس وابن الموظف والفلاح فلا فرق بين هذا وذاك وحينها كان جل اهتمامنا هو التنافس على إحدى المراتب الأولى على مستوى الصف والمدرسة من خلال الدراسة والتعب لنيل شهادة امتياز وكلما كبر حجمها زاد حجم السعادة واتسعت الضحكة على وجوهنا إلا أنه لابد من منغص يفقدنا لذة التفوق وسعادة الموقف وكان يتجلى في وجود أحد أبناء “الآنسات” في الصف ليكون الكابوس الأكبر الجاثم على صدورنا حيث أن ذاك المدلل سيحظى بكل الأشياء الجميلة بدء من الوقوف في أول الصف واستلام منصب ” العريف ” إلى أفضلية الجلوس في المقعد الأول وصولا للحصول على المرتبة الأولى وكل الهدايا الممكنة إضافة لشهادة الامتياز وإن كان بعضهم يستحق التكريم بجدارة إلا أنهم قلة وقد أثبتت الامتحانات النهائية لشهادتي التاسع والبكالوريا حقيقة هذا الأمر حيث أن الكثير منهم لم يفلحوا في الدراسة حتى أنهم لم يحصلوا على الشهادة الثانوية .

ومضت السنون وكبرنا وصار لدينا عائلة وأولاد دخلوا المدرسة وعادت إلى مسامعنا نفس القصص القديمة وزادت عن حدها كثيرا خلال سنوات الحرب حيث بات ابن الآنسة هو ذاك المدلل الذي له كل المراتب والمراكز والهدايا مما شكل عقدة نقص عند بقية الطلاب  وقتل حس المنافسة في نفوسهم ولاسيما أولئك المتفوقين بالفطرة حيث باتوا يجدون أن كل جدهم واجتهادهم يضيع سدا كرمى لإبن الآنسة فتموت روح المبادرة لديه وينكفئ على نفسه, و الغريب أن بعض المدارس تحاول استدراك هذا الأمر بطريقة غريبة عبر منح جميع طلاب الصف الامتيازات والثناءات وتبريرهم أن هذا الفعل يحفز الطلاب على التفوق !!

وقبل كتابة هذه الكلمات استشرت عددا من المرشدين النفسيين وخريجي كليات التربية الذين أكدوا أن كلا الفعلين خاطئ وأن الآثار السلبية على كلا الطالبين كارثية حيث تقتل الطموح وروح المنافسة لدى الطالب المجتهد  في حين تكرس الاتكالية وعدم المبالاة لدى ابن الآنسة أو ابن المتنفذ وبالتالي الوصول إلى مجتمع نصفه محبط ونصفه الآخر اتكالي وهذا يمهد لتدمير الطاقات المتجددة في الوطن الذي من المفترض أن تكون عماده وأساس بنائه .

وهنا لابد من سؤال أليس من الجميل أن يكون موقف المدرس مشابها لموقف الأستاذ ” صياح ” في مسلسل ” الخربة” الذي رفض كل الضغوط العائلية وتمرد على العادات العائلية البالية ليعطي الطالب المتفوق حقه ؟؟ .

طبعا لا ننكر وجود الكثير من أمثال الأستاذ ” صياح ” ولكن نسبة لابأس بها  للأسف حاليا باتت تشابه ” بوقعقور ” الذي يريد من خلال التزوير والاحتيال جلاء كله ممتازات لطالب أقله يوصف بكلمة ” كسول ” ، وكل ما نبتغيه هو إنصاف الطلاب المتفوقين وتحفيز أولئك الاتكاليين بأي طريقة ليكون الجميع فاعلين في خدمة الوطن وإعادة بنائه وبالتالي التخلص من العقدة الأزلية للبعض المتمثلة بابن الآنسة في المدرسة .

   يوسف بدّور

المزيد...
آخر الأخبار