سنحت له الفرصة في مكان ما ، واحتل موقعاً مميزاً ومنذ ذلك الوقت وصاحبنا صار معتداً بنفسه مغروراً كمن يمشي على سطح القمر ، ليبتعد إلى برجه العاجي فلم يعد يستطيع أن يرى البسطاء أو يتعامل معهم بل صار يراهم صغارا هو الذي كان بالأمس القريب واحداً منهم يبحث عن قوت أسرته معهم ،كانت حياته معهم جميلة تشوبها أحياناً بعض الغيوم الداكنة لكنهم كانوا يقولون :غيوم لابد زائلة ..يعاني ما يعانون ..ويئن تحت وطأة الحاجة وضيق العيش والسعي المتواصل للعمل وتحسين الحال ..ليتسلل بعدها ويبتعد منتهزاً فرصته هارباً بانتهازيته وفساده التي باتت مرضية بعد أن اشتم رائحة النقود , فانقطع عن التواصل معهم سالكاً طريقاً موارباً ليكبر الشرخ وتتسع دائرته ، يتقصد الصعود على مواجع الآخرين وحاجتهم بموجب ومن دون موجب ..
كانوا في الماضي يحترمونه لأنه يكافح ويجتهد ويشقى ويسيل عرقه لتحسين وضعه… شرب معهم كوب ماء وقاسمهم الخبز والملح .. بينما اليوم فقد تلون بلون العصر وانقلاب الأيام والظروف ، إذ غاب عن اللحظات الحاسمة فباتوا يتحدثون عنه بضمير الغائب ، فهم ليسوا من الذين يقتسمون الحياة مع أناس غيّروا مفاهيمهم وقيمهم ولو للحظة من لحظات زمنهم الآفل, وازدادوا يقيناً أنه سيعود يوماً بعد أن يجرب حظه من الجاه وسيقع حتماً في غياهب التجاهل والقطيعة ، فليحذر إذ لا بد أن يسقط من بين النجوم فما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع .
عفاف حلاس