من السذاجة أن نعتقد بأن كل ما يحصل من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية على مدار الساعة مرتبط كله بالأزمة فقط ،…الأزمة التي تحولت إلى شماعة لتعليق الفساد والفشل وانعدام الرقابة وما إلى ذلك من أمور ضاغطة أوقعت المواطن في دوامة “يشهق ولا يلحق “شغله الشاغل تحصيل قوت يومه “وبكرة فرج ورحمة” وليس فروج ولحمة ،فبين المحسوس والملموس شرخ كبير …
صحيح أن الحرب أرخت بظلالها السوداء على مفاصل حياتنا وضيقت الخناق على اقتصادنا الزراعي والصناعي وحدت من طاقاتنا النفطية والإنتاجية ،لكن المتنفعين المتكسبين الفاسدين المتدثرين بعباءة الأزمة والذين ظلمهم أشد مضاضة وقرفاً… هؤلاء زادوا الطين بلة وساهموا بكتم أنفاس المواطن حتى الرمق الأخير وعدم وجود من يردعهم حولهم إلى وحوش سعرانة مدمنة لسعار الأسعار ولهيبها والشطارة في التجارة هي التباري في نيل المغانم والمكاسب والجهات المعنية لا عين ترى ولا إذن تسمع فماذا يعني مثلاً أن يصل ليتر زيت دوار الشمس إلى 6500 ل.س والسكر 1950 ل.س وقس عليها الرز والحمص والسمنة و…ربما يقول قائل بعض هذه المواد استيراد ولا سلطان للجهات المعنية فيها …الأمور لم تعد تحسب بهذه الطريقة والدليل أن خضارنا وفواكه أرضنا الخضراء تحذو بأسعارها حذو المستورد فكيلو واحد من أحد أنواع البرتقال سعره بـ1500 ل.س وكذلك الأمر التفاح والبندورة والكوسا ..
الأسعار لم تعد ترتبط بهامش ربح منطقي معين محدود بمادة ما أو لنقل زيادة عارضة وإنما هي قفزات بنسب عالية لا رجعة فيها كالمتة –مثلاً-التي تعجز الرقابة عن ضبطها ولجم مساعي تجارها المتلاعبين في الزيادات المتكررة دون مبرر منطقي وواضح ..وبالطبع الرهان على أخلاق وإنسانية هؤلاء رهان أثبت فشله …كنا على مستوى التحدي لسنوات عشر عجاف وما زلنا مستمرين متحدين بعزيمة لا تلين ،أفشلنا غزواً إعلامياً ،عسكرياً ،خارجياً ،وكلما أغلق بوجهنا باب فتحنا آخر ،لم نقف عاجزين مكتوفي الأيدي أمام عقوباتهم الجائرة وعواصف ضرباتهم الهوجاء ،وأمام هول ما حدث نستغرب كيف لأصحاب القرار أن يقفوا أمام هؤلاء المتلاعبين المكشوفي التخوم دون لجمهم ووضع حد لهم ..كلنا شركاء في هذا الوطن الجريح ،ومن يملك حساً عروبياً ووعياً بهموم وطنه لا يضيق على شريكه ،قوتنا اتحادنا ..ويبقى وطننا كنزنا الأوحد والأعظم به نحيا ونكبر وننتصر ..
حلم شدود