في أحد النشاطات الشعريّة التي أُقيمت بالتعاون بين فرع اتحاد الكتّاب العرب بحمص، والمركز الثقافي فيها، جلسنا وراء المنصّة أنا، وممدوح السكاف، عافاه الله، وعدد من الشعراء الآخرين الذين غابت أسماؤهم، لا لعدم أهميّتهم لاسمح الله، بل لضعف في الذاكرة، وكان من تقاليد تلك الأزمنة أن يُفتح باب النقاش والتعقيب والمداخلات على أيّ نشاط شعريّ، أو محاضرة فكريّة، وهذا التقليد أخذ منّا نقاشا طويلا، في المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب، فقد كانت له محاذير عديدة، منها ضبط الجلسة، وتحديد زمن المداخلة، وأنت لاتستطيع دائما أن تضبط الأمور بالطريقة التي ترغب فيها، ففي طبع البعض المماحكة، أو الإطالة، أو الاستعراض، أو حبّ الظهور، وعلى الرغم من تلك المحاذير فقد رجّحنا أنّ فتح باب النقاش خير بكثير من إغلاقه، فهو يعلّم النظام، ويفتح بابا للتعدّديّة، والديمقراطيّة، وقد يرد من الآراء مايُغني الجلسة، ويحقّق لها إضافات هي من صميم أهداف النشاط الثقافي، وكان أكثرنا حذرا الشاعر والناقد الصديق ممدوح السكاف، تحوّطا من جهة، وانسجاما مع طبيعة ذاته،في ذلك النشاط قرأ الشعراء المدعوّون أشعارهم، وظلّوا جالسين في أماكنهم في قاعة سامي الدروبي، ومنهم أنا وممدوح، وطُلب من الذين يودّون الكلام، توجيه السؤال إلى أحد الذين ألقوا قصائدهم، للتوضيح أو للتعقيب، وكانت الغاية إبراز أكبر قدر من الآراء، طلبا للإغتناء، وإثارة التفاعل الايجابيّ،
في آخر صفّ في القاعة، وقف شاب وطلب الكلام، وكان من تقاليد تلك النشاطات أن يذكر المتكلّم اسمه ليتعرّف الناس إليه، فلبعض الأسماء وزنها الخاص الذي تستحقّه، والتي قد تدفع الجمهور إلى الحضور، والاستماع، والمُتابعة، ذكر اسمه، وكان من الطلاّب الذين يدرسون في حمص، وكم عرفت حمص من أبناء هذا القطر، ممّن درسوا فيها، أو أدّوا الخدمة الإلزامية في رحابها، وحمص كما تعرفون مدينة، كما قيل فيها، مفتوحة، رحبة، هكذا كانت قبل الفتنة الصهيو أعرابيّة، وما زالت، .. الاسم الذي سمعناه كانت له بدايات شعريّة واعدة، وأنتم تعرفون نزق الشباب، فأحيانا قد لاتجد له سببا إلاّ أنّه نفثة شاب متوثّب ، وقف وقفة تدلّ على أنّه سيُلقي برأيه، ويُغادر، فلم يحدّد لمن يوجّه الكلام من الموجودين، بل قال شاملاً الجميع:«أنا أعتبر نفسي أنّني لم اسمع شعرا اليوم» ، فالتفت إليّ الصديق ممدوح السكاف، وقال لي وهو يبتسم:«جاوب»، ماذا أقول لهذا المتحمّس المستفِزّ؟ ذهبت إلى مايُشبه الدّعابة وقلت له: ماذا أقول لك، نحن نزعم أنّنا قرأنا شعرا، فإذا لم تجد شعرا فيما سمعت هذه المرّة، عَوَضك على اللّه في المرّات القادمة، فصفّق بعض الحضور، وتمّ امتصاص تلك الفورة، بهدوء وسلاسة،
الصديق على الفيسبوك، الشاعر المتألّق أيمن معروف، أنت تكتب الآن شعرا جميلا، فهل تذكر هذه الحادثة، وتعرف صاحبها؟..
عبد الكريم النّاعم