عندما كان يتأخر سقوط الثلج كنا نحزن ، إذ ثمة حكايا هنا وهناك ننتظر أن نسمعها على عكس المألوف من خالتي زينة ، نقلا ً عن جدتها تلك المرأة القروية الأمية المشعة ذكاء وقاداً وحكمة فطرية ، تسرد حكاياها الشعبية المستمدة من التراث حيناً ومن الواقع الصعب حيناً آخر مع بعض الاجتهادات الشخصية لتضع لمساتها السرية وتحوّر في الأحداث والخاتمة بما يقتضي الأمر الذي نعيشه بحثاً عن المغزى المعبر والتي يروق لها التعبير عنه ويسعدنا ويخفف عنا ويسلينا …
تقول: المعيشة كانت جل ما يشغلهم من توفير السكن الطيني يتقاسمونه مع الأبناء والكنائن إلى المأكل المأخوذ من الطبيعة ، وتأمين مياه الشرب من سبيل بعيد عن البيوت ، وما أن ينتهي الإنسان من عمله مع غروب الشمس إلا وقد نال التعب منه يبحث لنفسه عن قسط من الراحة فينام ليستيقظ فجرا ً ليبدأ معاناة جديدة… يتعرضون للهب الصيف،والبرد القاسي شتاءً مرورا ً بالثلوج التي كانت تغطي الأسطح والطرقات وتمتد لأسابيع طويلة ، يتداول فيها أفراد الأسرة لبس الحذاء الواحد حتى لايخرج حافيا ً تغوص رجلاه في الثلج أو تغرقان في الطين …
المرأة تمضي نهارها بين الخبز على التنور والطبخ على الموقدة ، والغسيل اليدوي في طشت نحاسي حيث لا كهرباء و لا ماء ولا أدوات كهربائية في البيوت، ليأكلون طعاما ً بسيطاً ، متقشفاً ، قوامه البرغل والبطاطا وخبز الشعير أو الذرة الصفراء ، حلوياتهم قوامها الدبس الممزوج بالطحين أو التمر، ومع ذلك أثبتوا قوة في التحمل والتكيف مع ظروفهم القاسية، يعقدون السهرات ويستذكرون أيامهم حول مدفأة الحطب إذ كان هناك تعاون وتكاتف وحب متبادل بين الجميع .. لأن كما تقول خالتي : لكل زمان شقاؤه وتعبه ولكل حال جماله وذكرياته لتتحول كلها إلى حكاية من حكايات الأجداد الرائعة …
أما الآن والقول مازال لخالتي : لاهمّ لجيل اليوم سوى الانتقاد والتذمر والشكوى رغم توفر مقتضيات الحياة الحديثة وسهولتها لامجال لذكرها الآن ، فما أحوجنا جميعا ً إلى وقفة صادقة مع أنفسنا ومقارنة حياتنا مع حياة أجدادنا..
عفاف حلاس