تحية الصباح .. نوافذ

                                                   1
أنا من الناس الذين يحاصرهم البرْد جسديّا ونفسيّاً، فتتعطّل الكثير من ملكاتي التي أُواجه بها شؤون الحياة، ويظلّ فكري مشغولا بكيفيّة الحصول على الدّفء، فألبس السميك من الثياب، وأغطّي رأسي بما يحميه، وهذا يفيد جزئيّاً، فكلّ ماحولك بارد، وفي بيت شماليّ كبيتي فإنّ الشارع غالباً مايكون أكثر دفئا منه.
سألت ذات برْد صديقنا الطيّب الدكتور عبد المؤمن قشلق، الخبير بالطبّ البديل عن وسيلة لإبعاد شبح البرْد فنصحني بمغليّ الزّنجبيل، فأعطى شيئا من المرجوّ، بيد أنّ مشكلته، كما قيل لي إنّه يرفع الضغط، وأنا أعاني من مرض القلب، حماكم الله منه، منذ 1980، ولي معه قصّة طويلة عريضة، هي ولا شكّ غير قصص ماورد عنه فيما كتبتُه من قصائد .
أنا أعلم أنّ البرد ولواحقه هي قانون طبيعيّ ربّانيّ، له الكثير من الفوائد التي يعرفها الخاص والعام، ولكنّ أنْ تعرف شيء،.. وأنْ تُواجه شيء آخر، وأدرك الحكمة من وراء ذلك، ولكنّ هذه المعرفة لاتنشر دفئا.
قد يتبادر لأحد منكم أن يقول ياأخي أشعلْ المدفأة، ولهذا أقول هل كنت أجهل ذلك حين يتوفّر المازوت، لاسيّما حين تُبتلى بمختار ولجنة حيّ توجّه الصهاريج إلى شوارع الأصدقاء، وأصحاب النّفوذ، وهي منذ سنوات تترك شارع بيتنا حتى لايبقى غيره، فيُجبرون على إرسال الصهريج، ولا يأتي ذلك غالبا إلاّ حين تكون الأربعينيّة الشتويّة قد ولّت، وأنا هنا لا أُخبر فقط، بل وأقدم شكوى ضدّ مختار ولجنة الحيّ، عسى أن تقع عين مسؤول فاعل عليها فيقرأها، ويستجيب، وأملي هذا لارهان عليه إلاّ رهان المستحيلات، في سياق المُجريات المحيطة بنا، والتي تكاد توصل أكبر المتفائلين إلى تخوم اليأس.
أختم هذه الفقرة بالبيت الشعريّ المعروف:
إذا جاءَ الشتاءُ فأدْفئوني
فإنّ الشيخَ يُهْرِمُهُ الشتاءُ
2
زارني صديق أحترمه، وأحترم مايقوم به من عمل جليل للخروج من بعض الأزمات المحيطة بنا، وأقدّر جَلَده، وفي سياق ماتحدّثنا به ذكرتُ له أنّني ذات عام جمعتْني جلسة بمحافظ حمص آنذاك، وكان جديدا على حمص، فحدّثتُه عن التلوّث الذي تشكو منه هذه المدينة، واقترحتُ عليه أن يصدر قرار من أيّة جهة مسؤولة في هذه المحافظة، خلاصته أنّ كلّ بيت في هذه المدينة لاتوجَد شجرة على بابه، ستوقع به غرامة سنويّة محدّدة تتكرّر كلّ عام وتتراكم، وأن تتكفّل الجهات الرسميّة بتقديم ما يُزرع بالمجان، وقلت له تصوّر أن تصبح المدينة كلّها غابة من الأشجار، وكم سيكون لذلك من الفائدة الصحيّة، والأبعاد الجماليّة، والتوعويّة، ويخطر ببالي هذه الأيام أن يكون الاحتفال بعيد الشجرة القادم محدّدا بتشجير المدينة، وهكذا سيتكافل الناس في حماية هذا المخلوق الأخضر الجميل، فما تمرّ عشر سنوات إلاّ وقد تغيّرت المدينة شكلا ومضمونا، .. قلت هذا لزائري الذي لايكلّ، ولا يملّ ،  فابتسم وقال لي :» أمّا أنا فقد فعلتُ غير هذا، لقد قلت لجاري أن يسمح لي أنْ أحفر أمام بيته وأن أزرع شجرة، وهذا ماكان..
aaalnaem@gmail.com

عبد الكريم الناعم

المزيد...
آخر الأخبار