نعم هو عام جديد ،يقتحم حياتنا بقوة ،ليسرق بعضاً من أيام عمرنا القليلة ،يهجم علينا لنبني عوالم غير موجودة بالأساس …كان الاحتفاء به صاخباً ،عنيفاً ..ونتساءل :هل سيأتي هذا العام متخماً بما نحلم به ،أم سيخترق أرواحنا كطلقة عبر مساحات من الألم والهم والغم ؟…
هل سينتزع مخالب السنين القاتمة المغروسة في نفوسنا أم سيحمل عناوين عريضة قاتمة ومشابهة للسنين الماضية ؟
هل سيكون أهلاً للكرنفالات الاحتفالية المذهلة وتحت مسمى الابتهاج بالعيد ،أشخاص قذفوا منصة الحياة بنار الجحيم فلونوا شجيرات العيد بلون الدم الذي أخذ ينزّ من خوابي العمر ..
هل ستتوالى علينا أمسيات جديدة جميلة نكف خلالها عن الشكوى ،وتبتعد نفوسنا عن ذلك الملل الكئيب المقيت الذي صبغ أيامنا ولوّن ليالينا ..؟
نعم إنه صمت بارد كان يتعس أرواحنا لا نجد له أعذاراً أو مبررات سوى أنه يمتحن عواطفنا وطريقة عيشنا ..
لنتعلم مما حصل معنا ولننطلق من جديد ،ولتسيل ألسنتنا بعبارات المحبة النابعة من قلوبنا ولا نجعلها مجرد عبارات زائرة على شفاهنا ،ترسم بسمة زائفة على وجوهنا ..فقد سئمنا طعم المرارة ،سئمنا صوت القسوة الجارحة تخرج من ألسنة أناس يتحدثون عنّا بشراهة لا مثيل لها ،ربما نستطيع اليوم أن نكّم أفواهاً مريضة كارهة ..
ربما نستطيع أن نستكشف كنوزاً نادرة ثمينة مدفونة ومحملة بأحلام وآمال تمتد إليها عدالة السماء ،وتزيح من طريقنا أشخاصاً كووا نفوسنا بنار الحرمان ،جعلوا البطون خاوية تئن بصرخات رمادية موجعة ،طبول الحاجة تدق رؤوسهم دون رحمة ..
وجوه مؤثرة ،حزينة ،مهمومة ،تطالعنا كل يوم ،نرقب توسلاتها بصوت حزين ،لتتلاشى أصواتهم مع أول هبة ريح شرقية باردة تضرب أبوابهم العتيقة ،لتموت دعواتهم اليائسة عند عتبة باب دارهم ..
ربما نتعلم أنه لم يبق لدينا ما نحزن لأجله ،بل لنزيح الستارة القاتمة لنسمح لنور الفجر أن يغمر حياة أشخاص ينتظرون أن نشاركهم العيد ،وأن نحرك دواخلهم بأفراح منسية ..
هي لحظة ولادة جديدة ،فلنرأب ما انفتح من جروح كانت دامية تحولت خلالها رؤوسنا إلى صحراء لا تبشر فيها السماء بأية قطرة ماء ندية تروي أحلاماً ضائعة ..
ولنغلق ذاكرتنا الحزينة بما فيها من مآس وأحداث على ماض ثقيل ،ولنعيد ترتيب حياتنا على أساس جديد ،ولنسمح للفرح أن يدق قلوبنا مرتدياً حلة جديدة تتغلغل في نفوسنا المرهقة بالهموم والتي تسللت كمرض خبيث قاتل ..
إذن لن نطفئ تلك الجذوة المتوقدة بالحب والحياة والتفاؤل ،لأننا سنحاول أن نقتلع أشواكنا بأيدينا ،ونزرع مكانها أشجار الأعياد ونزينها فقد باتت شامخة كالطود في كل حي من أحيائنا الجميلة ،والتي ترمز إلى طيب الحياة و ديمومتها …
ولنضيء كل الشوارع المعتمة ،ونعبر معاً إلى عالم جديد ، ولنسمح لأحلامنا أن تتدفق وتبشر بحضن جديد دافىء نلجأ إليه بحثاً عن طمأنينة بعد فترة جفاف أصابت روحنا ،نعم فأبواب السماء مفتوحة على مصراعيها لدعوات المقهورين الجالسين على سكة الانتظار الطويل باحثين عن هدف ليس بمستحيل … نستطيع أن نقهر التشاؤم ونحلم بيوم جميل قبل أن تمسحه الرياح الجافة ،نأمل ذلك ؟..
عفاف حلاس
المزيد...