عرف تاريخنا الأدبي العديد من النقاد ..منهم من كان مصيباً بنقده ومنهم من ظلم وتجنى هذا ما أوضحه الأديب رفعت ديب في المركز الثقافي المحدث في حي الزهراء في محاضرة بعنوان «النقد ومناهجه»
صفات الناقد
بداية تحدث المحاضر عن صفات الناقد ومؤهلاته منها:الموهبة وهي استعداد فطري يولد مع الإنسان فلا يستطيع كل راغب بذلك أن يصبح ناقداً ،وكثيرون تخرجوا من الجامعات دون أن يصبحوا نقاداً أو أنهم أصبحوا نقادا ثانويين ويضيف الاستاذ الديب: أن الثقافة من أهم الصفات التي يجب على الناقد أن يتصف بها لتشكل مع الموهبة اللبنة الأولى في أي مادة نقدية لأن الموهبة وحدها لا تكفي فلابد من ثقافة تصقل هذه الموهبة ,فمن يكتب عن كاتب معين عليه أن يعرف لمحة عن حياته وأن يقرأ معظم مؤلفاته والنقد الذي تناول الكاتب كي لا يكرر ما قيلْ وهو يعتقد أنه أتى بجديد .
لا تنتقد ما لا تستطيع الإتيان بمثله
ويوضح ديب أن البعض يعتقد بأنه لا يحق لناقد معين أن ينتقد جنسا أدبيا إلا إذا كان الناقد نفسه من المبدعين الذين يكتبون الجنس ذاته سواء شعر أو مسرح … والقصد من هذا هو: كيف يحق لناقد معين أن ينتقد أمراً وهو عاجز عن الاتيان بمثله وقد رد النقاد على هذا الرأي ووجدوه غير صحيح لأن الناقد قد يجد في النص الأدبي (شعر – مسرحية – قصة )أشياء لم تخطر ببال المبدع نفسه ,كما يجب أن يكون لديه القدرة على التوازن بين الموضوعية والذاتية بحيث لا تغلب واحدة على الأخرى واستشهد المحاضربشوقي ضيف وطه حسين ليثبت أن المبالغة في تطبيق الموضوعية أو الذاتية تؤدي إلى نتائج خاطئة.
وظيفة النقد
يؤكد المحاضر أن وظيفة النقد مرتبطة بوظيفة الأدب , لأن النقد نفسه مرتبط بالأدب , فلا نقد بلا أدب, مع أن الأدب يكون بلا نقد، وأول من كتب في هذا الموضوع ناقد سوري هو « قسطاكي الحمصي» في كتابه ( منهل الوارد في علم الانتقاد)حيث بيّن في كتابه ان للنقد وظائف كثيرة منها إلقاء الضوء على المرحلة التاريخية التي يتناولها الناقد و التفسير والتأويل والشرح للنصوص المدروسة وهذا ما فعله الناقد عبد الرحمن البرقوقي في شرحه لديوان المتنبي وكذلك تنبيه الأدباء إلى نقاط الضعف في أدبهم.
معايير النقد
ويضيف المحاضر متسائلا :هل توجد معايير واضحة للنقد؟ أم أن لكل ناقد معاييره ولكل ناقد غرباله؟ هل توجد مقاييس للأدب..؟
لا توجد مقاييس يقاس بها الأدب كما تقاس الأشياء ,كالطول الذي يقاس بالمتر والوزن والغرام … ذلك أنَّ الأدب أمر غامض ويخاطب القوة الغامضة للإنسان أي العواطف , مع هذا لابد للنقاد من أن يضعوا معايير معينة , لأن هناك إجماعاً على الأعمال الأدبية الجميلة , كالإجماع على عبقرية المتنبي وزهير بن أبي سلمى والمعري ، ومن المعايير التي نطبقها في حكمنا على جودة العمل الأدبي.
أولاً : نقد النص وعدم المساس بشخصية صاحبه ,كما فعل البعض مع الشاعر نزار قباني حيث اتهم بأن معظم شعره يدور حول المرأة ( الغزل والحب ) في وقت كانت الأمة العربية تعيش مراحل صعبة من استعمار فرنسي واحتلال فلسطين, ومن الأخطاء الشائعة الحكم على النص من خلال منصب صاحبه إذا ارتفع يحكم على النص بأنه جيد , أو الحكم على النص من خلال نصوص سابقة لنفس الكاتب فربما لا يكون النص الجديد بنفس السوية والإبداع .
ثانياً : الناقد الجيد يتبع منهجا ينسجم مع النص المدروس فيتبع المنهج الاجتماعي إذا كان النص ذا طابع اجتماعي , والمنهج النفسي إذا كان النص يحمل طابعا نفسياً .
ثالثاً : الناقد الجيد الذي يأتي بفكرة جديدة تثير الجدل والنقاش ولم يسبقه أحد إليها مثال :كتاب طه حسين (في الأدب الجاهلي) الذي يرى فيه أن أبيات الشعر الجاهلي نظمت في فترة لاحقه وتمَّ نسبها للعصر الجاهلي …وقد ردَّ بعض النقاد على هذه الفكرة ومنهم محمد مندور .
رابعاً : الناقد الجيد يشير إلى الدراسات والبحوث التي تتناول الموضوع نفسه , وهذا لم يكن منتشراً سابقا فمثلا طه حسين وعباس محمود العقاد لم نجد في دراساتهم إشارة إلى المصادر التي اعتمدوا عليها , أما الآن فيعتمد النقاد على مبدأ التوثيق وذكر المراجع التي اعتمدوا عليها في دراساتهم .
خامساً :الناقد الجيد يقيم توازنا بين الافتراضات والبراهين فلا يزيد أحدها على الأخر .
سادساً : غنيٌّ عن القول إنّ النقد الأدبي الجيد يجب أن يشبه الأدب الجيد لحدّ ما , بحيث يكون بأسلوب واضح جميل يستمتع القارئ بقراءته ويبتعد عن الغموض والغرابة
الحاجة للأدب
* . هل يؤدي الأدب حاجة ضرورية للإنسان ؟
أحد التساؤلات التي أجاب عليها المحاضرمبينا ان الأدب ليس ضروريا للإنسان بكونه جسدا فيكتفي بالماء والهواء والغذاء وأما بكونه جسداً وروحاً تختلج فيه المشاعر والعواطف يحتاج إلى الأدب , لأنه يلبي حاجات فطرية لدى الإنسان ,أي حاجات غير مكتسبة تولد معه وقد طرح العديد من الأمثلة عن الذين ناقشوا هذه الفكرة :مثل تولستوي و رينيه.
وعن وظيفة النقد بين أن للنقد وظائف متعددة منها: – تسليط الضوء على المرحلة التاريخية التي يتناولها الناقد … – التفسير والتأويل والشرح للنصوص المدروسة وتنبيه الأدباء لنقاط الضعف في أدبهم و تحديد جماليات النص الأدبي كما فعل د. محمد مندور حيث أطلق على أدب المهجر اسم الأدب المهموس …. – وقد تكون وظيفة النقد وظيفة متغيرة بتغير الزمن والمكان والمدرسة وهي بهذا تلتقي مع الأدب .
وفي ختام محاضرته عدد المناهج النقدية وشرحها مثل المنهج الاجتماعي والمنهج الفني الجمالي والمنهج التاريخي والمنهج البنيوي.
المزيد...