رغم التقدم الكبير في الأبحاث العلمية وتطور الأجهزة الطبية, إلا أننا ما زلنا نرى ونسمع ونقرأ عن كثرة الأخطاء الطبية في المشافي والمراكز الصحية , وقد لا يكون لبعض تلك الأخطاء الخطر أو التأثير الواضح آنيا ,إلا أنه بالمقابل هناك أخطاء قد تودي بحياة المريض , وهنا تكون الكارثة الكبرى ,فمن الواجب الإهتمام بحياة الإنسان , وعلى الطبيب والكادر الطبي الحذر وتوخي الدقة في العمل وتحمل المسؤولية تجاه المريض .
ومن المعلوم أن مهنة الطب تعنى بحياة الإنسان وصحته لذلك هي من أسمى المهن وأهمها ، فعلى الطبيب أن يكون رحيما ومتمكنا من مهنته ليحافظ على حياة المرضى المؤتمن عليها ..
إن عقد المعالجة بين الطبيب والمريض هو عقد عناية وليس عقد غاية , أي أن المطلوب من الطبيب هو بذل الجهد وتقديم الخبرة وتشغيل الأجهزة اللازمة بالوقت المناسب والشكل الأمثل , لعلاج المريض دون أن يسأل عن النتيجة سواء كان شفاءً أو تراجعاً في الحالة ,ما عدا الجراحة التجميلية فإنها عقد غاية لتحقيق النتائج المرجوة إذ يلتزم الطبيب لتحقيق تلك النتائج المرجوة .. هذا ما تنص عليه القاعدة الطبية بالشكل القانوني حسب ما أشار أحد الأطباء …
السعي للتطوير باستمرار
الطبيب ع- أ قال : إن الطبيب الجيد هو المتمكن من مهنته والمستعد دائما لتطوير معلوماته ولا يكتفي بخبرته فقط التي قد تكون أحيانا لا تتواكب مع التطور العلمي واكتشافاته المستمرة , مما يسبب حدوث اختلاطات في بعض الحالات ,لذلك يتوجب عليه أن يأخذ الحيطة والحذر وطلب الاستشارات اللازمة في وقتها للتصدي لحالة مرضية وبعدها يكون غير مسؤول عن تردي أو تحسن الحالة , ونظراً لتطور الطب تقع مسؤولية حدوث الأخطاء على إدارة المؤسسات الصحية ونظامها كجاهزية الوصول لغرف العمليات وجاهزية الإسعاف الطبي وسيارات الإسعاف ومصاعد المشافي وتوفير تجهيزات بالعدد الكافي للحالات الاسعافية ومجمل هذه الأمور تقع مسؤولياتها على إدارة المشفى القائمة وليس على الطبيب .
أسباب متعددة
وأضاف :إن الأخطاء الطبية مشكلة كبيرة سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية , منوهاً أن بلدنا تعتبر أقل من غيرها قياساً بباقي البلدان .
ومن الطبيعي أن أي طبيب لا يتمنى الوقوع بأي خطأ طبي إلا أن هناك عوامل عديدة يكون لها دور في حدوث ذلك الخطأ منها يعود لعدم وجود التجهيزات الطبية الحديثة وخاصة في مجال العناية المركزة , فمن الضروري على سبيل المثال وجود منفسة في كل مشفى نظراً لأهميتها الكبرى , كما أن المشافي تضم أنواعاً عديدة من الجراثيم والفيروسات وهذا يساهم في انتشار المرض وزيادة الاختلاطات الطبية ومن المهم أن تتوفر كافة الشروط المناسبة لإنعاش أو اسعاف أي مريض بشكل طبي لائق للابتعاد قدر الإمكان عن الخطأ .
ومن العوامل الأخرى الكادر الطبي المساعد الذي عليه أن يستقبل المريض بشكل لائق وخاصة الذين يتعرضون للكسور لأن أي خطأ في وضعية المريض ممكن أن يخدش النخاع الشوكي كما أن الخبرة العلمية للكادر الفني من عناصر الاسعاف والتمريض والعناصر الفنية الأخرى من تخدير ومخبر وأشعة هامة جداً .
التركيز الدوائي
وأضافت الطبيبة ف – ع قائلة : من العوامل أيضاً الأدوية والتي لها دور هام في حدوث الخطأ الطبي وهذا يكون إما بكتابة غير صحيحة من الطبيب أو بخط غير واضح وقراءة غير صحيحة من الصيدلاني حيث يقوم باستبدال الدواء بآخر مشابه له بالأحرف والاسم ومختلف عنه بالنوعية . كما أن وصف جرعات زائدة له تأثير كبير إ ذ أنه لا يوجد التزام بالتركيز الدوائي ضمن المادة الدوائية وهذا يتبع للشركات المنتجة .
وأشارت إلى أن هناك عامل هام آخر يسبب الوقوع في الخطأ الطبي وهو تشخيص المرض وغالباً ما يقع الخطأ في الحالات الصعبة وعدم تشخيص صريح وواضح من الطبيب وعدم الاستعانة بالأطباء الآخرين لتلافي الخطأ والاعتماد على الرأي الواحد ولطريقة العلاج ووضع المعالجات الناجعة دور هام في تلافي أي خطأ إذ يمكن أن توضع معالجات غير مناسبة ,وبالتالي يزداد الخطأ الطبي ويقع ذلك كله على كاهل المريض .
بيئة غير جاهزة
الدكتور بشار مصطفى نقيب الأطباء في حمص قال : إن الخطأ الطبي هو كل عمل طبي أدى
إلى نتيجة ضارة بالمريض، وأن العلاقة السببية بين الفعل الطبي والضرر قائمة .
كما أوضح أن الأخطاء الطبية في كثير من الحالات ناجمة عن خطأ في التشخيص أو قلة احتراز الطبيب المعالج أو عدم خبرته بالحالة الطبية مضافاً إليها قيام بعض الأطباء بالعمل الطبي في بيئة غير جاهزة بشكل كامل للخدمة الطبية ،مشيراً إلى أن الأخطاء الطبية تشمل التشخيص والعلاج سواء كان المرض داخلياً أو جراحياً .
للخطأ درجات
وعن دور نقابة الأطباء في حال وجود خطأ طبي أشار نقيب الأطباء أن تقدير الخطأ الطبي يتم بتشكيل لجنة طبية ذات اختصاص لتوصيف الخطأ الطبي أو الاختلاطات , وبناء عليه يحال الطبيب إلى مجلس مسلكي تابع لفرع النقابة الذي يرأسه قاض برتبة مستشار ,وهي صاحبة القرار في العقوبات المفروضة ،وتكون العقوبة على حسب درجة الخطأ إلا في الحالات التي يلجأ فيها المواطن للقضاء فوراً دون الرجوع للنقابة .
لافتاً إلى أن أكثر الأخطاء الطبية التي تمت مراجعة النقابة بها ضد الطبيب أغلبها اختصاص «نسائية» مؤكداً أنه بالرغم من عدد الأخطاء القليل في هذا المجال تم حلها جميعاً وتحويل بعضها للقضاء .
خارجة عن الإرادة
مضيفاً أن الاختلاطات الطبية موجودة في الأدبيات الطبية وهو أمر قابل للحدوث في كل المستويات الطبية ،والاختلاطات لا يحاسب عليها الطبيب لأنها خارجة عن إرادته وذلك يتعلق بشكل مباشر بالحالة المرضية للمريض ولا توجد أي دراسة تثبت نسبة الاختلاطات لأي عمل جراحي ..
مسؤولية قانونية
ومن وجهة نظر قانون العقوبات أشار نقيب المحامين بحمص سليمان الرضوان أن المسؤولية الطبية هي تلك الناجمة عن الأخطاء التي يرتكبها الأطباء في معالجة مرضاهم أو نتيجة العمليات الجراحية وما هو بحكمها وهي تعتبر خطأ طبياً مادامت غير ناجمة عن فعل مقصود , وقد تكون صحيحة فتسبب وفاة الإنسان أو لأنها لا تصل لحد الوفاة لكنها تسبب إيذاء للشخص المريض
وأضاف : يعاقب المشرع السوري على الأخطاء الطبية الواقعة بموجب أحكام المادتين /550/و/551/من قانون العقوبات من سبب موت احد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات , و إذا نجم عن الخطأ الطبي ضرر يؤدي إلى التعطيل عن العمل لأكثر من عشرة أيام أو أدى إلى استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تشويه أو أية عاهة دائمة أخرى أو لها مظهر العاهة الدائمة عوقب بالحبس من شهرين إلى سنة.
أما إذا كان الإيذاء يؤدي للتعطيل عن العمل لمدة عشرة أيام أو أقل فإن دعوى الحق العام لا تقام إلا بناء على ادعاء شخصي من المتضرر, لافتاً إلى أن هذه العقوبات تترافق عادة بغرامة مالية قد تكون كبيرة أو صغيرة بحسب حجم الإيذاء الذي لحق بالمتضرر أو كانت تنتهي بالوفاة.
الحكم بالتعويض في حال الضرر
ونوه أن كل خطأ طبي سبب ضرراً للغير يستوجب الحكم عليه بالتعويض على المتضرر وفقاً لأحكام المادة /164/من القانون المدني ،هذا التعويض تقدره المحكمة بسلطتها التقديرية وقد يصل إلى الملايين بحسب الحال وقد يكون الطبيب هو المسؤول عنه منفرداً وقد يكون مسؤولاً عنه بالتكامل والتضامن مع المشفى إذا كان الخطأ الطبي وقع أثناء المعالجة في المشفى أو نتيجة لعمل جراحي .
والجدير ذكره أن العقوبات المنوه إليها هي على الخطأ الطبي غير المقصود أما إذا كان للخطأ ما يثبت أنه مقصود، فللعقوبات أحكام أخرى جاءت عليها نصوص «قانون العقوبات العام».
متابعة مستمرة
مدير صحة حمص حسان الجندي قال عند سؤاله عن دور المديرية حيال وقوع الأخطاء الطبية وتبيان مسؤولية الطبيب: تعمل المديرية بطريقتين الأولى وقائية حيث يتم متابعة آلية التجهيز والتشغيل للمشافي الخاصة والعامة و تقوم اللجان الرقابية من مديرية الصحة بالتأكد من وجود جاهزية الكادر الطبي على مدار الساعة وجاهزية الأجهزة الطبية وفق اللوائح الطبية في المشافي الخاصة والعامة وإن التدقيق في هذا المجال بالتأكيد يؤدي إلى التخفيف من الأخطاء الطبية .
كما ونعمل على التدقيق فور حصول شك في التقصير في حالة طبية سواء تقدم الأهل بشكوى أم لا , فإذا تبين وجود تقصير أو خطأ يحال الموضوع مباشرة إلى الرقابة والتفتيش لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة …
وأضاف : صلاحية تشكيل اللجان الطبية من ذوي الخبرة والاختصاص التي تحقق في حدوث الأخطاء منوطة بنقابة الأطباء، كونها صاحبة الشأن والأعلم بالأطباء،وتكون قرارات هذه اللجان غير نهائية، فالكلمة الفصل للقاضي في المحكمة أو للمجلس المسلكي في النقابة.
لا يمكن حصرها
وعن إحصاءات الأخطاء الطبية في المشافي الخاصة والعامة ذكر أنه لا يمكن تقديم احصاءات لأن هذه الشكاوى لا تكون إيجابية دائماً لكن بالتأكيد هي قليلة بالسنوات الأخيرة نتيجة العمل على تحسين مستوى الخدمة لرعاية المرضى ولزيادة وعي المواطن بشكل واضح بحيث أصبح ذوو المريض يقومون بدون تأخير بنقله الى المشافي والعيادات التخصصية في حال حصول عارض صحي نتيجة معرفتهم الواضحة بوجود تجهيزات وعلاجات لهذا المريض , ومعرفتهم المسبقة أن الطبيب لا يقصد الإساءة لأحد فليس هناك خطأ مقصود إذ أن بعض منها يحصل أثناء العمليات فقط …
التأخر بكتابة التقارير
المحامي غ – ب يرى أن هناك لجاناً طبّية تتأخر في كتابة تقاريرها، وتغيب عن حضور المحاكمات، لإطالة أمد التقاضي طمعاً في العفو أو صفح المتضرر مع مرور الزمن أو سقوط الحكم بالتقادم, ويقول: هناك دعوى أخطاء طبية تبقى سنوات ولا يبت فيها,منوها أن بعض الأطباء في اللجان الطبية لا يقولون الحقيقة عند وجود شكوى أو دعاوى ضد طبيب آخر، ربما لخوفهم من وقوعهم بخطأ مماثل في المستقبل،ويقترح تشكيل جهة قضائية متخصصة بالدعاوى المتعلقة بالأطباء، إضافة لوضع معايير لاختيار الأطباء الذين يفصلون في هذا النوع من الدعاوى.
أحد القضاة أجاب عن سؤالنا حول الإجراءات المتخذة من القضاء في حال وجود شكوى عند حدوث الخطأ الطبي قائلا : في حال وجود الخطأ الطبي يتم ابلاغ النيابة العامة بوجود هذا الخطأ حيث تكلف الطبيب الشرعي بالفحص وكتابة التقرير بالحالة , وفي حال وجود ادعاء من أهل المريض يتم تنظيم ضبط شرطة , فتطلب النيابة العامة تقرير الطبيب الشرعي حيث يتم تحريك الدعوى ضد الطبيب في هذه الحالة وبعدها إما أن يحال إلى قاضي التحقيق أو بداية الجزاء , من حيث المبدأ إما لجهالة الفاعل أو للتوسع بالتحقيق في حال احتاج النائب العام المعلومات ..
ويمكن أن يقوم الأهل بإسقاط الدعوى وطلب التعويض«إذا أرادوا» من الطبيب في حال ثبوت وقوع الخطأ ..
وأشار الى أنه تم صدور حكم توقيف بحق أكثر من طبيب , مما يعني أن المحاسبة القانونية موجودة , وتتم معاقبة المقصرين في حال حدوث الخطأ المقصود …
أخيرا
يتساءل أهالي الكثير من المرضى إلى متى ستبقى حياة الناس بأيدي أمثال هؤلاء الأطباء الذين لا يشعرون بالمسؤولية المطلقة تجاه مرضاهم ؟!وقليل من الاهتمام والحذر والانتباه يجنب المريض والطبيب على حد سواء من أي إشكال أو خطأ .
بشرى عنقة – شذا الغانم