تحية الصباح .. تصرّفات حيوانيّة لافتة

 شُغِل العديد من علماء الأحياء بالبحث عن الذّكاء عند الحيوان، ليروا أيّها أقرب إلى الانسان من حيث التصرّف الذي يدلّ على ( ذكاء) ما فيها، فالعالَم كما قسّمه الفلاسفة والعلماء مكوّن من جماد، ونبات، وحيوان ، وإنسان، وأعلى هذه المخلوقات درجة من حيث الوعي، والإدراك، والمحاكمات المنطقيّة، .. أعلاها فوق ظهر هذا الكوكب هو ( الانسان)،
قدّمتُ هذه االبدهيّة المعروفة، لأصل إلى بعض التصرّفات الغريبة، والتي يمكن اعتبارها خارقة لحدود مانعرفه.
ذات جلسة مع رجل من أهل العرفان، رحمه الله، تعرّضنا لما تفعله الدّجاجة التي خلْفها فراخها، فهي بعد كلّ ضعفها، حين ترى كلبا يقترب من صغارها فإنّها تهاجمه بمنقارها، وأجنحتها لتدفع عن صغارها الأذى، فكان من تعليقه إنّها تفعل ذلك بدافع ( الغريزة)، وسلّمت له، وظلّ في بالي سؤال مهمّ هل تملك الدّجاجة مشاعر؟!!
* في الأخبار التي قرأتها، لا أدري أين، أنّ قرداً، وهذا يُقال عنه إنّه أقرب المخلوقات للإنسان، .. هذا القرد مرضتْ أمّه، فسحبها حتى وصل إلى مشفى طبيب بيطريّ في الهند، ووضعها أمامه!! ألا يلفت النظرَ هذا؟!! كيف عرف أنّه طبيب بيطريّ؟!! ثمّ أليس لافتا هذا البرّ بالأمّ، في وقت نرى بين البشر مَن يديرون ظهورهم للأبوين، وهما بأمسّ الحاجة لهم، مُعرِضين عن الآية القرآنية الكريمة، « واخْفِضْ لهما جَناحَ الذّلّ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمهُما كم ربّياني صغيرا»، ولا شكّ أنّ لدى العديد منكم أكثر من مثال على ذلك.
على شريط فيديو نُشر على الفيسبوك، رأيتُ، ربّما، كما رأى الكثيرون منكم، رأيتُ سيّدة أوروبيّة تقترب من قفص أسد، وحين اقتربت منه، ونقرتْ على القضبان المحيطة به،..ماأن رآها حتى قفز ومدّ يديه خارج القفص، واحتضنها، وبدأ يمرّغ رأسه بما أحاطت به يداه، والسبب في ذلك أنّ هذه السيدة كانت قد وجدت هذا الأسد في الغابة، وقد اخترقت يده الأمامية قطعة معدنيّة، فاقتربت منه ، وآنستْه، وأخرجت من يده ماكان يُعيقه ويؤلمه، فحفظ لها ذلك الجميل.
تُرى ماذا نقول عن الذين عاشوا سنوات طويلة جيرانا، وأهلا، وأكلوا من بيوت بعضهم البعض، ولم تكن بينهم أيّة ضغينة، وفجأة حين هبّت تلك الرياح المجنونة باسم الخراب العربيّ، شحذوا سكاكينهم وأعملوها في رقاب الجيران، رجالا، ونساءً، وأطفالا؟!!
الحديث عن وفاء الكلب وذكائه يُضرَب به المثل، ولكنْ أنّ يأتي كلب مريض إلى أحد المشافي في بلد أوروبي، ويحصل على الدّواء، ثمّ يذهب ويأتي بزوجته المريضة لتتداوى، فهذا فعل يجعل الانسان يقف مستغربا، لأنّه من عالم لانعرف شيئا عن ( العاطفة ) فيه.
الكلب الذي لن أنسى قصّته، قرأتُ عنه، يوم لم يكن التلفزيون معروفا، مقالا مترجما يتحدّث عن كلب في إحدى القرى الإيطاليّة البعيدة عن المدن، فقد أستُدعي صاحبه للالتحاق بالجيش في الحرب العالميّة الثانية، فركب الحافلة الوحيدة التي كانت تصل إلى تلك القرية، وغاب الرّجل، وظلّ الكلب، على مدى عشر أعوام، يأتي إلى ساحة القرية، في موعد عودة الحافلة إلى القرية، فيتفحّص الوجوه، بحثا عن صاحبه، وحين لايراه يذهب حزينا مُطرِقا، ويُغادر الساحة، .. قرأتُ هذه القصّة للمرحومة أمّي فوضعت يديها على عينيها، وأجهشتْ بحُرقة.
لقد قال الأقدمون مامعناه إنّ الإنسان حين يتوحّش يكون أشدّ فتكاً من الحيوانات المفترسة، وحين يرتفع بقيمه الإنسانية والأخلاقيّة يكاد يُجاور ملائكة السماء…

عبد الكريم الناعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار