فاطمة بائعة متجولة تطرق الأبواب لتبيع الألبسة الجاهزة.إن طرقت بابك سيدتي فلن تستطيعي أن ترديها …لابد أن تأخذي أي قطعة منها لأنها تهوِّن عليك الدفع بالتقسيط المريح,ثانياَ كلامها المعسول وابتسامتها الطيبة رغم مسحة الحزن الظاهرة في عينيها,هي سيدة كبيرة في السن تضع نظارتين سميكتين على عينيها , ما إن تفتح معها حديثا حتى تبدأ بسرد قصتها : كنت فتاة بسيطة جميلة وحيدة أمي الأرملة ,نعيش معا َفي غرفة رطبة ,تعمل والدتي خادمة عند بعض الأسر الثرية ,لتصرف عليّ وعلى نفسها ,لم أكن يوماَ متفوقة في المدرسة وما أن أنهيت دراستي الابتدائية بصعوبة حتى تركتها لأساعد والدتي . تزوجت عند إتمامي العشرين من رجل بسيط طيّب موظف لكنه يملك بيتا مريحا وأنا الفتاة الناضجة طباخة ممتازة , فرحتي كانت لا توصف خصوصاَ بعد أن رزقت بطفلة مثل القمر جعلت البيت منارة حب وألفة , أسميتها أمل .
دامت سعادتنا سنتين ,لكن لحظات السعادة هذه لم تسرف الأيام في منحها لنا, ,رغم بساطة العيش مع زوجي كنا سعداء جميعاَ. حملت بالولد الثاني لكن هذه السعادة رغم بساطتها كانت وقتية لأن عاصفة هوجاء قوية تلاطمت واهتاجت لتقتلع هذه السعادة من جذورها . بساطة زوجي لم تعطه العقل الناضج ليقدس الحياة الزوجية المؤتمن عليها فعشق امرأة أخرى ,كانت عاطفته الوحشية هذه دماراً لي ولطفلتي فتحول الهناء في غمضة عين إلى شقاء , طلقني وأخذ طفلتي وكنت قد أوشكت أن أضع طفلي الآخر. رغم ذلك لم تهدأ العاصفة الهوجاء , ,فعند ولادتي أتى زوجي إلى المشفى وسلب وليدي مني مدّعياَ أن زوجته ستعتني به ,سلب قلبي مني..دمّرني وذهب . غدوت إنسانة هشّة تأكلها المرارة,..عيناي لم تجف حتى ضعف نظري,لم يبق لي شيء إلا اليأس… ويح دهري كيف قضى على عيني فأصبح بصري ضعيفاً جداّ كيف لا وشعاعي الوهّاج ابنتي وطفلي الرضيع في حضن زوجته الثانية … , ذهبت إلى بيت زوجي انتظرته حتى ذهب إلى عمله , طرقت الباب ففتحت لي زوجته, كانت أرحم من زوجي رقّ قلبها عليّ فأدخلتني البيت حملت رضيعي أغرقته بالدموع ,أجلست ابنتي في حضني عانقتها بلهفة لا تنطفئ أبداَ,أخذت منهم جرعات كبيرة من الحب والحنان ثم توجّهت إلى السيدة التي كانت جالسة صامتة بلا حراك..,توسّلت إليها أن تعتني بهما. كانت كريمة معي ووعدتني بالاعتناء بهما كما طلبت منّي زيارتهما باستمرار. حمدت الله على هذا الكرم الذي ما كنت أتوقعه من إنسانة سرقت سعادتي.. عدت إلى أمي التي أصبحت بعد مصيبتي شبه عاجزة أصبحت مسؤولة عنها وفي غمرة هذه الحيرة ..كيف أتدبّر معيشتي , عرض عليّ تاجر جزءاً من بضاعته كي أتجول بها في البيوت مع ربح لا بأس به يكفيني أنا وأمي ويزيد بعضه لأشتري هدايا لطفلّي . كنت قانعة بما أصبحت عليه شاكرة وأحمد الله لأنه لم يتخلّ عني وبدأت البيع و التجوال في البيوت..
.هذه فاطمةوهذه قصتها تأسرك بها وترغمك على الشراء منها عايشت الآلام والقهر رغم ذلك لم تستسلم فهي تطوف في البيوت بابتسامة باكية وكلام معسول وتنفق بضاعتها .
خديجة بدور