قد يستغرب البعض أنّني أنا المقيم في حمص منذ عام 1947م لاأعرف أحدا من شعرائها الذين كانوا فيها، أو برزوا فيما بعد، لاتستغربوا فلقد اضطررت لترْك هذه المدينة في العشرين من العمر لألتحق بعملي كمعلّم في مدينة « منبج» عجّل الله في فكّ أسْرها، وكنتُ لا آتي إلى المدينة إلاّ في أشهر الصيف، أو في العطل المدرسيّة الانتصافيّة أحيانا، وفي مثل ذلك العمر كانت تشدّنا بقوّة أن ننهل من ينابيع السفر، والسهر، وما يستتبع ذلك، وكان أوّل استقرار لي في المدينة عام 1960-1961، ولم أكن من روّاد المقاهي، ولا ممّن تملّكتْهم فتنة الأدب بعد، فقد كنت أتمّشى على حواف الكتابة بين حين وآخر، فقد شغلتْنا الأمور النضاليّة آنذاك عن الكثير من مستلزمات الأدب.
عرفتُ أثناء دراستي في حمص أسماء منير الكلاليب الذي أوقف معظم شعره على المناسبات، هذا عرفتُه فيما بعد حين اطّلعت على ديوانه، وعرفْنا محي الدّين الدرويش، ورضا صافي، وعبد المعين الملوحي، ورفيق فاخوري، ونصوح فاخوري، ونذير الحسامي، وعطا الله المغامس، العروبيّ القادم من « دير عطيّة» والذي كان مديرا لإعدادية خالد بن الوليد، وكان في معظم الأحيان يأتي إلى المدرسة، وقد ارتدى الجاكيت والبنطلون، واعتمر الحطاطة البيضاء والعقال، وممّا يُروى عنه أنّه سئل مرّة وقد شوهد في الشارع وهو حاسر الرأس ، فسألوه عن «العروبة»، كما كان يسمّيها، فقال نسيتُها في البيت.
كان في الذّهاب إلى المركز الثقافيّ القديم هيبة، فمديره بعد قيام الوحدة بين دمشق والقاهرة عام 1958 الشاعر الذي ذاع صيته المرحوم عبد المعين الملّوحي، الذي كانت ذروة تفجّر حضوره الشعري، آنذاك، قصيدته في رثاء زوجه « بهيرة»، وقد أعلن رحمه الله، في شيخوخته أنّه نادم على تلك الجرأة الصّادمة التي حملتْها قصيدته تلك.
الشاعران اللذان لم أعرفهما هما عبد السلام عيون السود، وعبد الباسط الصوفي، من أهمّ شعراء الرومانسيّة في حمص، وكان عبد الباسط الصوفي قد حقّق حضورا ممتازاً، عبر مجلّة « الآداب» اللبنانيّة، والتي كان النشر فيها يعني «تطويب» الاسم كشاعر، يستحق أن يكون في صفوف شعراء العرب، فكيف وقد طبعت له مجموعته« أبيات ريفيّة»، وكان الصوفي آنذاك يُرسل قصائده من بلد أفريقيّ، لم أعد أذكر اسمه، وفي عاصمة هذا البلد وافتْه المنيّة، إثرضربة شمس، وثمّة من يقول أنّ ثمّة انتحارا كان وراء ذلك.
الذي كان صديقا قريبا من هذين الشاعرين هو الشاعر الحمصي ممدوح السكاف الذي كتب كتابا ضخما عن عبد الباسط الصوفي، طبعتْه وزارة الثقافة بدمشق، ولقد سألني عن هذا الكتاب أكثر من أديب عربي، في عواصم عربيّة عدّة لندرته، ولغناه،
وكان ممدوح ، عافاه الله قد نوى أن يُصدر كتابا عن عبد السلام، وما ندري ماإذا كان الكتاب كلّه، أو مخطّطه قد أصابه التدمير كما أصاب مكتبته وبيته في مساكن المعلّمين، – طريق حماة-، على يد أصحاب الفورة الصهيوأعرابيّة، فقد خرج من ذلك البيت ولم يعد إليه..
عبد الكريم النّاعم