أعتقد أن الكثيرين يشاركونني الرأي أن اللغة بمفرداتها تمثل أفقاً اجتماعياً وتعبر عن هذا الأفق ومايتجلى فيه من ألوان قوس قزح ، وهذا ما يفسر لنا طفو كلمة على سطح الاستعمال بمعنى معين ، وطفوها بمعنى آخر قد يكون ضداً أو نقضاً بعد سنوات ، وأعتقد ان كلمة – الهشاشة – واحدة من الكلمات التي عبرت عن أفق اجتماعي ساد في سورية قبل سنوات العدوان عليها منذ ثماني سنوات ، فكانت هذه الكلمة طافية على سطح مجتمعنا في ألوانها كلها بمعناها الذي يعبر عن ذلك الأفق الاجتماعي المريح والمليء بالبشاشة والبشر فكانت الهشاشة تعني الارتياح والخفة للمعروف والبشاشة والبشر. وأما اليوم وبعد عدوان شرس جندت له الصهيونية ذئاب الأرض وأفاعيها وعقاربها لتسميم الجسد السوري ونهش لحمه وتكسير عظامه وهيهات لها أن تحقق ذلك بعد هذا العدوان الشرس الذي أصبح في ربع ساعته الأخيرة لنتأمل كلمة الهشاشة والأفق الذي أصبحت تعبر عنه .
ولنبدأ من هشاشة العظام التي كانت تعرف بأنها مرض خلقي نادر يصيب الهيكل العظمي ، أما اليوم فقد كثرت هشاشة العظام وأصبحت حديث الناس ، وأصبحت السعادة في الحصول على جرعة كلس تقوي العظام ، وصار الكثيرون يعبرون عن ندمهم لأنهم لم يتعرضوا لأشعة الشمس في طفولتهم وصباهم ولم تقتصر الهشاشة على العظام وإنما تشعبت في مناح مختلفة ، وغدت الهشاشة سرعة الكسر نتيجة الرقة والجفاف ، وأصبح الهش اللين الرخو من كل شيء . توصف به المواقف ، فيقال : كان موقف فلان هشاً في تلك المناسبة ، فمثلاً نسمع مسؤولاً محروقاتياً يقول : إن المواطن سبب أزمة الغاز والمازوت لأنه أخذ يستهلك المادتين بإفراط لامبرر له ، فنقول : إن رأي هذا المسؤول المحروقاتي هش وموقفه أكثر هشاشة من أوراق الأشجار الصفراء المتناثرة تحت الشبابيك في أيلول .
وعندما نسمع مسؤولاً كهربائياً يصرح بتوتر عال أن – دفايات – المواطنين المتواضعة هي سبب انقطاع التيار الكهربائي ، نقول : إن تصريحه هش وهو أكثر هشاشة من تصريح مسؤول كهربائي في مدينة القصير أن سبب انقطاع أسلاك الكهرباء هو : – التأين – وكان ذلك من ربع قرن ، وعندما سئل عن – التأين – قال : إن مخلفات الطيور التي تقف على الأسلاك الكهربائية تؤدي الى تفاعل كيميائي مع الأسلاك يؤدي الى انقطاعها . والحديث عن الهشاشة بمعنى الضعف وسرعة الكسر تطال أموراً كثيرة ، فالرواتب والأجور أصيبت بالهشاشة والادارات لم تنج من الهشاشة وتأليف المناهج المدرسية أصيبت أيضاً بالهشاشة على الرغم من كون المناهج هي الأساس في النهوض والتقدم ، وماذا أحدثك عن مواقف الذين يسمون أنفسهم منشقين ومعارضين خارجيين ، إن مواقفهم أكثر هشاشة من بيت العنكبوت !!
د.غسان لافي طعمة