كان عتابه رقيقا ً جميلا ً كجمال بذته الأنيقة وربطة عنقه الفاخرة واستطعت أن أجد الكلمات الجميلة التي اعتذر فيها عن تقصيري في إهدائه مجموعتي القصصية الأولى التي كنت قد أصدرتها قبل أشهر، حصل هذا قبل بضعة وعشرين سنة فقد أهديت نسخ المجموعة للأصدقاء والأدباء ولمحرري صحيفة العروبة آنذاك وفي لقائي بعد أيام من صديقي الذي عاتبني أهديته نسختين من كتابي القصصي / الإنسان والأفعى/ واحدة له وواحدة لصديق له قال إنه يحب القراءة كثيرا ً، وكتبت إهداءين جميلين كما أظن للصديق وللرجل الآخر الذي أعطاني اسمه ..!! وكانت فرحتي كبيرة لأن ثمة من سيقرأ قصصي ..!!.
بعد يومين وكعادتي كنت أستعرض الكتب المعروضة على جدار دار الحكومة /السراي/ علني اشتري كتابا ً أو أكثر ، ولكن كانت دهشتي كبيرة عندما لمحت نسختين من كتابي الآنف الذكر بين الكتب المعروضة وكانت صدمتي كبيرة عندما قرأت الإهداءين… لصديقي وصديقه ..!!.
وليت الأمر اقتصر على هذا فبعد أسابيع التقيت الرجل الذي بادلني التحية والسلام وهو يقول إنه استمتع كثيرا ً بقراءة قصصي ,,!! شكرته وأنا أهز رأسي دون أن أعاتبه بكلمة واحدة ..!!
وعلى الرغم من ولع بعضنا باقتناء الكتب، فإننا لانجد الوقت الكافي لقراءة كل الكتب التي نشتريها أو تهدى إلينا ، ونجد أنفسنا في موقف حرج عندما يسألنا من أهدانا كتابا ً .. هل أعجبنا الكتاب أم لا ؟! فنضطر للاعتذار بأننا لم نجد الوقت لنقرأه .. ونعد بقراءته قريبا ً ..!!.
كنا في مرحلة الفتوة عندما اعتدنا استعارة الكتب حيث كانت المكتبة الثقافية المتنقلة / وهي سيارة كبيرة مغلقة تتبع مديرية الثقافة تودع الكتب عند أحد المواطنين في القرية ليستعيرها من يريد القراءة ويتم تبديل الكتب كل ثلاثة أشهر..!! وذلك كان عملا ً جيدا ً لأننا من خلال هذه المكتبة اطلعنا على أعمال حنا مينه وعبد المعين الملوحي وترجمات سامي الدروبي وعلى أعمال الأدباء المصريين أمثال نجيب محفوظ ، وجودة السحار وعبد الحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس كما تعرفنا على الأدباء العالميين ضمن منشورات / دار اليقظة العربية / التي كانت أهم دار للنشر في ستينيات القرن الماضي وقرأنا من منشوراتها أعمال شكسبير وديكنز وتولستوي وديستوفسكي وغيرهم .
كان مدرسونا في مرحلة الثانوي يطلبون منا أن نلخص كتابا ً قرأناه من مكتبة المدرسة أو مكتبة المركز الثقافي ولا أزال أذكر مدرس اللغة العربية المرحوم راغب الأخرس الذي كان يهتم بهذا الأمر، وقد قدمت له تلخيصا ً لرواية (زقاق المدق) لنجيب محفوظ ، وذلك في أثناء دراستنا في ثانوية الفارابي في أوائل سبعينيات القرن الماضي .
كنا نتبارى في استعارة الكتب وقراءتها واليوم قلما نرى أبناءنا يفعلون ذلك ..!! ومكتبات مدارسنا ملآنة بالكتب ، ولكل منها أمين مكتبة ومعاون أو أكثر .. ولاعمل لهم ..!! .
القراءة تعني الثقافة والمعرفة والوعي.. والحياة الجميلة المستقيمة ، فهل نشجع أبناءنا على القراءة ..؟!! وهل نستطيع صنع مجتمع قارىء أي مثقف ؟!! هذا حديث طويل …!!.
عيسى إسماعيل