ثمة مسائل علمية تبدو في الحياة بديهية ومفهومة لا تحتاج إلى شرح لأنها تتعلق بالسلوك الإنساني ، وهي بذات الوقت تبدو شائكة لأنها من نوع السهل الممتنع ..؟
إذا قلنا مثلاً إن المعلومات المتراكمة مثلاً تؤدي إلى تغيير سلوك الفرد والجماعات ،.. هذا الكلام نظرياً يبدو بحاجة إلى تفسير ، وعملياً هو الذي يقود حركة المجتمعات بكافة شرائحها وإذا أخذنا مثالاً بسيطاً عن نتائج إحدى الدراسات أو الأبحاث التي تبث عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي ومن أحدثها مثلاً ما جاء مؤخراً عن تأثير المناخ في جنس الجنين حيث أعلن علماء معهد هوغو الياباني أن التغييرات والكوارث المناخية تؤثر في جنس الجنين حيث أن الذكور أكثر تأثراً بالظروف المناخية الباردة السيئة لذلك تنخفض أعداد مواليدهم والمناطق التي فيها درجات حرارة مرتفعة يزداد عدد المواليد الذكور في حين يزداد عدد مواليد الإناث في مناطق الجفاف وحرائق الغابات .
ماذا تعني هذه النتائج وماذا تمثل للرأي العام ألا تشكل بعض الاعتقادات التي ربما تكون صحيحة أو غير صحيحة ، وبالتالي ألا تدفع هذه النتائج إلى الاعتقاد والأخذ بها وبالتالي تنتج سلوكاً عند الناس .
هذه الدراسة التي أوردتها عبر نتائجها هي واحدة من النتائج التي تزخر بها وسائل إعلامنا بشكل يومي وتلك المعلومات تظهر نتائج دراسات تبدو حقيقية و تنتج رد فعل ربما يكون ايجابياً أو غير ايجابي لأن وسائل الإعلام تؤثر في الرأي العام عبر أبسط المعلومات التي تبثها ، فكيف هو الحال بالمعلومات التي تتناول قضايا ساخنة وحساسة لها علاقة بأمن واستقرار البلاد الأمر الذي يتطلب التدقيق في أي خبر يأتي أو يصلنا عبر وسائل الإعلام وخاصة أننا أصبحنا في عالم مفتوح على كل الفضاءات وتصلنا يومياً عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر أجهزة البث الفضائي (الستالايت ) مئات الأخبار عبر محطات تلفزيونية عديدة تزخر بها الأقمار الصناعية …
المشكلة لا تكمن في المحطات المعروفة الاتجاه كالعربية والجزيرة اللتين أتقنتا فن التضليل الإعلامي خلال الحرب الكونية على سورية ومازالتا حتى الآن تتبعان ذات النهج ، وليس في المحطات الناطقة بالعربية كالـ BBC وفرانس 24 والحرة وسكاي نيوز وغيرها من المحطات ذات الاتجاه الواضح المعادي لمحور المقاومة بل قي المحطات ذات اللون الرمادي لأن تلك المحطات المعادية تعبر عن رأي الدول التابعة لها وتروج للسياسات الخارجية التي لا يهمها إلا مصالح البلاد التي تتبع لها و تتوجه للمشاهد العربي تحديداً لاستمالته فكرياً وثقافياً والتأثير فيه وبسلوكه بشكل مباشر وغير مباشر عبر ما تبثه من أخبار وبرامج متنوعة ، فتلك المحطات لا تبث برامجها على مدار اليوم كرمى الكحل الموجود في عيون المشاهد العربي ولأنها حريصة على أمنه واستقراره بل كرمى مصالحها النابعة من أهداف الدول التابعة لها وهي غير نزيهة لأنها أهداف استعمارية وعدوانية تستهدف عقل ووجدان المشاهد العربي وهذا طبعاً يفسر دفع مئات المليارات من الدولارات على تلك المحطات لتسويق تلك السياسات العدائية للعرب بأسلوب وشكل حضاريين لإخفاء النزعات العدوانية الكامنة في الأهداف المضمرة .
المسألة لا تقتصر على تلك المحطات المستعربة التي تنطق بلغة الضاد بل إن هناك محطات أخرى متلونة يمكن أن تقول إنها رمادية تتلون حسب الظروف وهذه المحطات هي أخطر من تلك المحطات التي ذكرناها التي تسوق لسياسات الدول الاستعمارية ، فمثلاً إحدى المحطات اللبنانية التي كانت تأخذ جانب الحياد وتدعي وقوفها إلى جانب المحور المقاوم لاحظنا بفترة من الفترات انقلابها المفاجئ لأن إحدى الدول الخليجية التي تفوح منها رائحة الغاز قد أعطتها إعلانا لشركة طيرانها يبث قبل النشرة الرئيسية اليومية لها حيث باعت المقاومة والنهج المقاوم بإعلان صغير قيمته مئات الملايين من الدولارات ؟؟! …
تأثير الخبر الذي يتم التسويق له عبر وسائل الإعلام ليس سهلاً ، فالإعلام أصبح الآن هو السلاح رقم (2) في العالم بعد السلاح العسكري ولذلك فإن المعارك الإعلامية لا تقل شأناً عن المعارك العسكرية ولهذا يتم صرف مئات المليارات على هذه الوسائل من أجل تحقيق الأهداف العدائية عند الدول الاستعمارية وأدواتها في المنطقة العربية فسلاح الكلمة سلاح فعال يجب ألا نستهين به وأن ننتبه جيداً لما يردنا من أخبار وتقارير ودراسات وأبحاث قادمة فليست كلها دقيقة وليست كلها صحيحة ؟
عبد الحكيم مرزوق