في الثالث من شباط رحلت ،لكنها لم ترحل …فالمبدعون ،كما يقال لا يموتون ،يرحلون جسداً ويبقون فكراً وفناً .
الكتابة عن الراحلة الكبيرة ،كوكب الشرق أو سلطانة الطرب ،أم كلثوم ليست سهلة لسبب واحد ،هو الأهم ،أن الكاتب يحتار من أين يبدأ وبماذا ينتهي .سيرة طويلة ،وإبداع غنائي عربي ،لا مثيل له أبداً،إلى اليوم .أغنيات عاطفية وأخرى وطنية وموشحات دينية ،والأهم هذا القالب الغنائي ،الذي يحتاج إلى مقدرة صوتية خارقة ونبرة لا تتغير من بداية الأغنية التي تستمر ساعة وربما أكثر ،دون أن تتغير طبقة الصوت ..هذا في حال غنت أغنية واحدة ،فما بالك إذا أحيت حفلاً من عدة أغان ولساعات طويلة ..!!
إنها أم كلثوم وكفى
من أسرة فقيرة في قرية “السنبلاوني “إلى القاهرة ،وبعد سنوات ،إلى كل أصقاع الدنيا وصل صوتها ،وتنهال الدعوات لها ….!!
ويصبح اسمها معروفاً لدى كل من يتكلم العربية …ويستمتع بالغناء العربي .
وما علينا أن نعرفه عنها ،بعيداً عن الأغاني العاطفية التي غنتها ،تلك الأغاني الوطنية الحماسية ،التي تعبر عن موقف الشعب العربي من قضاياه الكبرى وأهمها قضية فلسطين .
فكانت إحدى أغانيها الوطنية الرائعة /أصبح عندي الآن بندقية /من كلمات الشاعر الكبير نزار قباني ،وهي تخلد وتمجد انطلاق الكفاح الوطني المسلح الفلسطيني والعربي الداعم له .وأغانيها لثورة تموز والنهوض القومي الكبير ،وإن كانت اقل بكثير من أغانيها العاطفية ،أثارت النخوة والعزة والحماس في النفوس .
أما الوفاء للمبادئ وللأشخاص فهو صفة من صفاتها الحميدة ،وخصلة يفخر بها العرب .
أيدت ثورة تموز وقائدها عبد الناصر ،وأخلصت للثورة مثل الأغلبية الساحقة من الشعب العربي في مصر التي نقلت مصر من “الملكية “إلى الجمهورية وإخلاصها لهذه الثورة حتى وفاتها ،يحسب لها ،وليس عليها ،كما يدعي المرتزقة وأنصار السادات والاستسلام الذي يمثله وهنا يذكر كثيرون أن أحد شعراء مصر المعروفين وهو /صالح جودت /وكان من أكثر الشعراء الذين تغنوا بالثورة وامتدحوا قادتها وعلى رأسهم عبد الناصر ،غير أنه بعد وفاة عبد الناصر واستسلام السادات شن عبر قصائده ،هجوماً على الثورة وقائدها ومنجزاتها “وفي إحدى المرات أراد وفد من المثقفين والشعراء زيارة أم كلثوم في منزلها في الجيزة بالقاهرة ،وعندما علمت أن بينهم /صالح جودت /طلبت منهم استبعاده ورفضت استقباله قائلة قولها الشهير /هذا داعر وليس بشاعر ../
وقد تبرعت أم كلثوم بريع عدد من حفلاتها للثورة الفلسطينية وللجيش المصري .
فاطمة بنت ابراهيم البلتاجي –أم كلثوم –ثروة قومية فنية غنائية ثقافية فقد جمع العرب أغانيها من المحيط إلى الخليج ،وقامت بزيارة الأقطار العربية كلها ، واستقبلت استقبالاً شعبياً كبيراً فيها .
رحم الله أم كلثوم ..ولعل الزمان يجود بمثلها في قادمات السنين .
عيسى إسماعيل