ثمة منمنمات تأخذ بأبصارنا أطياف تلاوين مزهوة , يتقرّاها خاطرنا فيض سحر وجمال . أكان ذلك في نقش على جدار أو وشي على ثوب مطرز تقص ملامحه جمالية ديباجة أم في رقش مداد تزهو به حروف , وتورق به كلمات , لكأنها عرائش من مضفور ورود شذاها كامن في عبق معانيها تعاضد بصر في مشهدية رؤية وجمالية إدراك في تمثل رؤيا . إنها منمنمات في مطارحات التفاعل ما بين الإنسان والحياة و أشيائها . ولا شك أن في ذلك كله يقظة في انتباه , وقراءة في تأمل . فالقراءة إشراقة النبوغ في حذاقة الصورة الأولية لمعنى التواصل حيث سردية المعارف والخبرات التي سعتها آفاق إعمال كل تفكير في استنهاض كل ما جادت به عقول , و أبدعت به علوم وفنون وخبرات ومهارات . أكان ذلك في مشافهة عبر بصيرة أم واقعاً يظهره الرمز رسومات أو أشكالاً تعبيرية أم تدويناً وفي معطى كل ذلك قراءة تقوى على قدر يقظة البصيرة في استنباط المعنى , وحسن الانتباه إليه , ما بين استيعاب وتذوق.
إن القراءة مهارة أدائية في النطق , وبراعة في إجادة مؤشراتها , ولاسيما وقد تجلى المعنى انتباه لتكاملية العبارة ضمن سلسلة انتظامها حبكاً في الصوغ , وفطنة في الاصطفاء التعبيري وجمالية الأسلوب غنى في ثراء المفردات في خصوصية كل منها مباشرة لدلالاتها المعجمية واتساقها في صيغ مجازية ضمن تراكيبها التعبيرية وعوالم تناسقها مع علوم البلاغة وقد تشربت علوم البيان والبديع و المعاني على صقيل مثاقفة أفسحت في المكان كل مجال للقرائح , لها الإبداع كل متسع , وقد حلقت بأساليب ما بين علمية و أدبية ضمن حياكة الصوغ لتغدو القراءة فصلاً معرفياً من فصول متلاحقة في معمارية البناء المتسق ما بين شكل ومضمون , ومبنى ومعنى . وهي مهارة ذهنية ناجزة في محتواها نصوصاً . و كل ذلك يتبدى لدى القارئ مؤونة معرفية و مهارية وقد اغتنى بملامسة الصوغ ما بين نقش في جمالية فنية , وعميق إدراك في دلالة محتوى . ويعزز دور القراءة لدى القارئ ما يختزن النص من مفهومات ومصطلحات وما لدى القارئ في مرايا خبراته ومعارفه فتصير القراءة قيمة مضافة عبر فِكَر ترسم بدورها خريطة معرفية و أخرى ذهنية لمنهجية القراءة – أيا كان نوعها – ولاسيما التأويلية عبر قراءة ناقدة متبصرة تؤكد معناها في تقيمها و إصدار بعض أحكام تدلل على ذاتها لدى القارئ , وذات القارئ تناصاً معها , ومدى الإنتاج إفادة منها و ما يضاف إليها أيضاً فالقراءة صُعدٌ من مستويات معرفية ووجدانية وقيمية وكذلك حقول ٌ من سطور تستيقظ كلماتها يقظة وعي انتباه إلى مضامينها وقيمها , ولاسيما إذا ما كان المقروء ضارب الجذور في المصادر والمراجع ليغدو بذلك النص مكتبة في كلمات وسطور في معارف وخبرات و أياً كانت القراءة حاضرة في كتب رقشها مداد أو مسموعة في تقانة فإن الدلالة واحدة في توكيد مكانتها ديمومة تعبير عن أثرها في الإنسان عقلاً ووجداناً , وفساحة البناء المعرفي تواصل إنسان بحياة كلما أخذنا بالقراءة مطارح من تسامٍ في الشروع في أروقتها دلالة مصطلح ودربة حياة كانت لنا آفاقها , وكانت لنا نوافذ قيمٍ مضافة تبوح بإشراقاتها , حيث الغنى المعرفي سعادة حضور .
نزار بدّور …