تحية الصباح .. تذمّر

دخل صديقه وعلى وجهه مسحة ممّا لا ترتاح له النفس، وليس بيد الإنسان أن يُخفي ما في داخله دائماً، وربّما نصح البعض بعدم كتم الانفعالات، لأنّها إنْ لم تُفرَّغ خارجيّاً، فسوف تجد متنفَّسا داخليّاً، شيء يُشبه البخار إذا كان محصوراً، إمّا أن نجد له طريقا للتصريف، وإلاّ حدث انفجار ما، وقد تحدّثت عن ذلك مدارس علم النفس بشقّيها الفرويدي، وعلم نفس الأعماق،

تركه حتى استقرّ به المجلس، وبحركة من يده سأله ما يعني:” ما بك”؟ وأرفق ذلك بغمزة من إحدى عينيه، تنهّد صاحبه بعمق، ونفخ نفخة طويلة، قال له:” يا رجل أشتهي أن يمرّ بي يوم من غير حدوث ما يضغط حتى الاختناق، اليوم صباحا اكتشفتُ أنّ شاحن البطارية لا يعمل، ولم يمض على تركيبه غير بضعة أيام، وأنت تعرف أن ” اللّدّات” صارت جزء من حياتنا،

 قبل أيام من ذلك تعطّلت الغسّالة، في بيت أخي، جاءت الكهرباء قويّة فضربت التلفزيون، والغسالة، والشودير، فاضطر لتركيب جهاز حماية كلّفه كلّ ذلك المبلغ المرقوم، وهذه برسم المسؤولين عن وصْل التيار، وأنت تعرف مدى الضائقة التي يعيش بها معظم الناس، وقد شكّل ذلك لي هاجساً  بالأدوات الكهربائية غير المحميّة عندي، ماذا أعدّ حتى أعدّ، ولا تنسى أنّنا ننام عل سعر للمواد التي لا بد منها للعيش، ونستفيق على سعر آخر، هو بالتأكيد الأغلى، أمّا هبوط الأسعار فذلك أمر ميؤوس منه قياساً إلى ما يمرّ بنا، يشهد الله أنّ الحياة صارت عبئاً بكلّ ما تعنيه الكلمة، وحين أتفقّد أحوال الناس أجد أنّ قلّة قليلة هي التي تعيش بحبوحة العيش، يصلها كلّ ما يلزم، وتستطيع تأمين جميع حاجياتها، ونحن نواجه الحاجة، والبرْد، و”التّعتير”

قال له شبه مواس، وبموافقة كاملة:” صدقت يا رفيق العمر، ولكنْ، تعال لنتساءل ماذا نستطيع أن نفعل”؟

قاطعه:” أتعني أن نيأس، وأن نقبل بكلّ هذا الرّكام من السواد”؟!

أجابه:” لم أعنِ ذلك، ثمّة أشياء هي بمقدورنا، وثمّة ما ليس بمقدورنا، فالذي ليس بمقدورك لا تملك إلاّ الإعراض عنه، رضيت أم لم ترض، وأن تنتظر ما قد يأتي حاملا الأفضل، وهكذا فنحن لا حيلة لنا إلاّ فيما هو بمقدورنا، تُرى هل نريد حياة لا مشاكل فيها؟!  ذلك كان تساؤل البعض، حتى لكأنّ العقل البشريّ لا يريحه أن يستقرّ على حال، فهو في حالة من الفاعليّة السلبيّة أو الإيجابيّة في اليقظة والنوم،”

نظر إليه صديقه مستفسراً بحذر:” الخلاصة ما ذا تريد أن تقول”؟!!

أجابه:” أريد الوصول إلى أنّنا محكومون بأقدار ليست بيدنا، وقد جاء في تعريف الذّكاء إنّه القدرة على التلاؤم، ولسنا نملك غير ذلك”

سأله بجديّة شبه رافضة:” هل تعني الاستسلام”؟!

قال:” ثمّة فرق بين “الاستسلام” و” التسليم”، الاستسلام فيه رائحة الهزيمة، والقهر، أما ” التسليم” فهو أن تتأقلم مع الواقع، مع ضرورة السعي لتغيير كلّ ما هو سلبي، ويُنقص من كرامة الإنسان، وتلك المهمّة التي جاء الأنبياء لتحفيزها، وشاركهم في ذلك المصلحون الاجتماعيّون..

عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار