هل النشاط الثقافي في حالة صحية مثلى ، أم أنه يعاني من مشكلات كثيرة تبدأ و لا تنتهي ، على الرغم من وجود المنشآت الثقافية والقاعات والمسارح والصالات والإمكانيات الكثيرة التي تدعم الثقافة والنشاط الثقافي وهل هذا يعني وجود خلل في آلية العمل الثقافي ، أم عدم وجود آلية لهذا العمل ، أم أن المشكلة في القائمين على العمل الثقافي الذين لا يعرفون ألف باء الثقافة وبالتالي فإننا أمام مشكلة عويصة تبدأ ولا تنتهي ، وبالتالي يطرح سؤال أهم مفاده هل المطلوب أناس مثقفون لإدارة العمل الثقافي أم إداريون يتقنون آلية هذا العمل فليس الأدباء والمثقفون من يستطيعون إدارة شؤونهم فالمبدع يكون مبدعاً في إنتاجه الأدبي ولا يفترض أن يكون الأديب أو الفنان ناجحاً في إدارة النشاط الثقافي .
لكل قاعدة استثناء وتلك الاحتمالات لا تدل أبداً على رأي قاطع يؤكد نجاح أو فشل أي احتمال أو وجهة نظر ما و لكن الثابت في هذه المسألة أن هيئة ثقافية مهمة مثل مديرية الثقافة بحمص يجب أن تضم الكثير من المثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي ومن المؤسف أننا خلال السنوات الماضية افتقدنا وجود الكثير من المثقفين والأدباء إلا في بعض الأنشطة الثقافية التي تدعو إليها المراكز الثقافية وهذا أيضاً انعكس على سوية الجمهور الثقافي فحضور أي نشاط ثقافي للأسف لا يتعدى العشرة أشخاص ولذلك فقد لوحظ ابتعاد وربما إبعاد للشخصيات الثقافية وعدم إدماجها ودعوتها للمشاركة بالنشاط الثقافي في الوقت الذي لاحظنا حضوراً لافتاً لبعض المتسلقين على النشاط الثقافي في ظل عدم وجود معايير أو أي مستوى للصعود إلى هذه المنابر الثقافية الأمر الذي أدى إلى ظهور أسماء تدعي الأدب ، وتدعي الثقافة ، ولم تتوقف المسالة عند هذا الحد بل إن الأمر تطور إلى إنشاء بعض من يدعون الثقافة لمنابر ثقافية عديدة في بعض المناطق والأحياء تقدم بعض المواهب الأدبية بالشعر والقصة وهذا بالطبع في ظل غياب واضح للمعايير الثقافية والأدبية وتكفي العلاقة الجيدة مع المسؤول عن هذا المنتدى أو ذاك حتى تصبح شاعراً مبدعاً وقاصاً على مستوى رفيع وتحظا بألقاب عديدة ، وقد أشار أحد الأدباء في الندوة التي أقامها اتحاد الصحفيين إلى وجود أخطاء لغوية فادحة في هذه المنتديات في ظل غياب المعايير والأسس التي تحد من تلك الأخطاء ، والسؤال هنا من هو المسؤول عن انتشار هذه المنتديات وهل يعني ظهورها عجز الهيئات الثقافية عن القيام بمهامها الثقافية باستقطاب المواهب الأدبية وأصبحت الحالة الثقافية تشبه إلى حد بعيد «حارة كل من إيدو إلو».
المسألة باعتقادي بحاجة إلى إعادة نظر بهذه المنتديات وعلى الجهات الثقافية أن تضع أسساً
ومقوّمات لهذه المنتديات التي نشأت ومن المعيب أن تبقى الأمور على هذا النحو وهذا باعتقادي يتطلب من الجهات المعنية بالثقافة كمديرية الثقافة ومكتب الثقافة بمجلس محافظة حمص أن يحاول الإستعانة بالمثقفين والأسماء الثقافية الهامة لتوصيف الحالة بشكل دقيق ووضع مقترحات وآليات عمل ليس لهذه المنتديات فقط بل للعمل الثقافي بكامله وقد أوردت إحدى الزميلات في مكتب فرع اتحاد الصحفيين والتي كانت تعمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن أحد المديرين العامين قال إنه ليس هو أفضل مذيع ، ولا أفضل معد في الهيئة ولكن موقعه في الإدارة يتطلب منه الإتيان بالأفضل ، وعلى هذا أعتقد أن المعنيين في المؤسسات الثقافية بحمص يجب أن يقوموا باستقدام الأفضل فإذا كانت الجسور مقطوعة مع المثقفين والأدباء المهمين بحمص فيجب أن يعملوا على بناء هذه الجسور والاستفادة من خبراتهم و يجب ألا تترك الأمور على عواهنها ولا أن تستمر بالعقلية القديمة في إقامة الأنشطة الثقافية بتقديم أي كان بل يجب وضع برامج ثقافية على مدى العام واختيار الأسماء المهمة التي تقدم أفكاراً جديدة ومهمة وهذا يجب أن يكون العنوان الأبرز في الندوات والمحاضرات والأمسيات فلسنا بحاجة إلى من يجتر ثقافة الماضي بل نحن بحاجة لمن يقدم الماضي والحاضر لنستفيد منه وبأفكار ورؤى جديدة تفيد وتزيد من الحصيلة الثقافية ، وهذا بحاجة باعتقادي لجهد وعمل كبيرين لأن البحث عن الدرر الثقافية متعب ولكنه في النهاية مثمر ومفيد للجميع …
عبد الحكيم مرزوق