تحية الصباح .. شيء “يطَقّق”

دخل صديقه وسلّم، فقابله وجه مُربدّ، وعينان تتقدّان غضباً، فكان أمام حالة نادراً ما رآه فيها، فجلس بهدوء وحذر، فهو يعرف طباعه، ويعرف كيف يتعامل معه، جلس دون كلام، بعد فترة قام صديقه وغاب قليلا، وعاد يحمل صينية القهوة، فأخذ فنجانه بصمت، وراح بين الفينة والأخرى يسترق النظر إلى ملامحه، فهو يستطيع، بحكم صداقتهما الطويلة رؤية ما يجري في تلك الأعماق، بعد فترة صمت طالت نفخ صديقه نفخة حارة، وبدت عليه ملامح  خروج ممّا هو فيه، وقال :” يا رجل شيء يطقّق، سأعود إلى القديم الجديد، أعني الكهرباء، فالزمن المخصّص لنا ساعة كلّ ست ساعات، بمعنى أن مجموع إنارتها هو أربع ساعات كلّ أربع وعشرين ساعة، فماذا تستطيع أن تفعل ضمن هذه الساعة التي هي أسرع من ساعات أعمارنا، وممّا يزيد الطين بلّات أنّك لا تضمن أن يكون ” النّت” على ما يُرام، وهذه مسائل لا تحتاج إلى عبقريّة لحلحلتها قليلا، وإذا كنا محكومين بمسألة الكهرباء حتى الشهر الرابع لهذا العام بحسب ما قاله وزير الكهرباء في مقابلة له ، فماذا عن النت الذي هو ضروري لتتصل برقيّا بعالم التواصل الاجتماعي الذي صار جزءاً من حياتنا، فهل يصعب على المسؤولين عن ” النّت” أن يضمنوا وصوله خلال هذه الساعة بطريقة تجعلنا نشعر أنّنا لسنا محبوسين في قعر مُظلِمة لا نافذة للضوء فيها،؟!! تريد أن تكتب شيئا خلال هذه الفترة الكهربائية التي غالبا ما يقتطعون منها ما يقتطعون فلا تجد فرصة ، ونحن في أحسن حالاتنا نظلّ ملاحقين بالخوف من الانقطاع المفاجئ، فكيف يستطيع أن يكتب أو يقرأ مَن هو هذا حاله، إنّ هذا يدلّ على أنّ الوجدان الاجتماعي والوطني، والإحساس بالمسؤوليّة قد أصبح مفقوداً لدى بعض العاملين في هذا الحقل، وهذا ينسحب على مساحات واسعة لها علاقة بالشأن العام، وفي هذا من الخطورة ما يدعو للذعر، لأنه يعني التخلي عن الضمير الحي، وأنت يمكنك أن ترمّم الكثير من المباني المهدَّمَة بسرعة معقولة، فكيف تستطيع أن تُعيد بناء الإنسان، لا سيّما وأنّ النماذج التي تشكّل قدوة للآخرين ما تكاد تبين في ظلّ هذا الركام المادي والنفسي “…

بدا النشاط على صديقه فتململ قليلا، وأشرقت سحنته، وطالت رقبته قليلا وقال مؤيداً، ومُشيدا بما سمع:” انقطعنا من الغاز، وعلينا أن ننتظر الأخبار من الجهة المعنيّة لا ستلام جرّة غاز، فتذكّرت يوم كان باعة الغاز يدورون في الشوارع بشاحناتهم الصغيرة، ويقرعون الجرّة بآلة حديدية، كم شكونا من إزعاجها، وكم أيقظتنا من النوم أثناء القيلولة”، وزاد نشاطه أكثر فأشرق وجهه وتابع” اسمع كنت ذات عام في زيارة لطرطوس، وحين ذهبنا لاستراحة القيلولة فوجئتُ بصوت فيروز يرتفع متردّداً، فيأتي من عدة جهات، وأنت تعلم وسوستي من الضجيج أثناء الاستلقاء، فسألتُ صاحب البيت مَن هذا الذي لا يَطرَب إلا في هذا الوقت من جيرانك، فعلا إنّها قلّة ذوق، ألا تستطيعون لفت انتباهه بلباقة”؟!! فابتسم صاحب البيت وقال ” يا صديقي هؤلاء باعة الغاز، يريحوننا من القرع على الأسطوانة بقضيب من حديد، فرأوا أن يُشعرونا أنّهم موجودون ووقع اختيار أحدهم على فيروز فتابعه الآخرون”

ارتسمت ابتسامة مرارة على وجه صديقه، وقال له :” يا هذا إلى أين قفزتَ بنا”؟!!

بدا شيء من الغضب المكبوت على وجه صديقه وقال:” يعني ما كنتَ تتحدّث فيه أَنْظم؟!! أم أنّك لا يعجبك إلاّ ما يأتي على مزاجك” ؟!! وقام وغادر وصديقه يرجوه أن يفهمه..

عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار